س: كيف أكمل المسيح الوصية في العهد الجديد؟

ج: مكتوب في إنجيل متى بهذا الخصوص "قد سمعتم أنهُ قيل للقُدَماءِ لا تزنِ. وأما أنا فأقول لكم إن كل من ينظر إلى امرأَةٍ ليشتهيها فقد زنى بها في قلبهِ." فنرى أن الله في العهد القديم قد حرّم الزنى على الشعب اليهودي، أما في العهد الجديد فهو يصل بنا إلى منبع الزنى في الداخل وهو الشهوة، فليس الزنى في العهد الجديد هو الزنى الفعلي فقط، بل هو زنى القلب أيضاً. لذلك فكل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه، أي أن هذه النظرة هي زنى في القلب، ومكتوب في رسالة تسالونيكي "لأن هذه هي إرادة الله قداستكم. أن تمتنعوا عن الزنى أن يعرف كلُّ واحدٍ منكم أن يقتني إناءَهُ بقداسةٍ وكرامةٍ. لا في هوى شهوةٍ كالأمم الذين لا يعرفون الله. أن لا يتطاول أحدٌ ويطمع على أخيهِ في هذا الأمر لأن الرب منتقمٌ لهذه كلها كما قلنا لكم قبلاً وشهدنا. لأن الله لم يدعُنا للنجاسة بل في القداسة. إذاً مَنْ يرذل لا يرذل إنساناً بل الله الذي أعطانا أيضاً روحهُ القدوس"

ومن الواضح أن الله لم يقصد أن يحرّم مجرد النظر للجنس الآخر، لكنه حرَّم النظر بغرض الشهوة، وبذلك قصد الله أن يكون داخل قلب الإنسان ممتلئ بالروح القدس حينئذٍ ستكون عينه بسيطه تقدم محبة المسيح وليس شهوة الشيطان. قال المسيح "سراج الجسد هو العين. فمتى كانت عينك بسيطة فجسدك كلُّهُ يكون نيّراً. ومتى كانت شريرة فجسدك يكون مظلماً. انظر إذاً لئلاَّ يكون النور الذي فيك ظلمةً. فإن كان جسدك كلُّهُ نيّراً ليس فيهِ جزءٌ مظلم يكون نيّراً كلُّهُ كما حينما يضيءُ لك السراج بلمعانه"

ولو درسنا بداية سقوط الإنسان في الخطية، نجد أن أُمّنا حواء حينما أغواها الشيطان وجعلها تنظر إلى الشجرة المحرَّمة. مكتوب "فرأت المرأة أن الشجرة جيّدة للأكل وأنها بهجة للعيون وأن الشجرة شهيَّة للنظر. فأخذت من ثمرها وأكلت وأعطت رجلها أيضاً معها فأكل. فانفتحت أعينهما وعلما أنهما عريانان. فخاطا أوراق تينٍ وصنعا لأنفسهما مآزر" وهنا نرى دور تلك النظرة التي ساد فيها الشيطان، فأدَّت إلى اشتهاء ما حرّمه الله، وهكذا سقط الإنسان وسقطت الإنسانية كلها وملكت الخطية على الإنسان وملك معها الموت "لأن أجرة الخطية هي موت." ولولا محبة الله الذي قدّم لنا الفداء في شخص المسيح لما كُمّلَت هذه الآية بالقول "وأما هِبَة الله فهي حياةٌ أبدية بالمسيح يسوع ربّنا"

وهكذا كما أدَّت نظرة حواء إلى الشجرة بإيحاء من إبليس إلى سقوطها في العصيان، كذلك يمكن جداً أن تؤدي نظرة الإنسان إلى امرأة ليشتهيها إلى الزنى الفعلي وليس فقط الزنى القلبي، كما حدث ذلك مع ملك كبير ومؤمن أمين مشهود لقلبه بالاستقامة لكنه جُرّب بهذه التجربة في وقت لم يكن فيه يحيا حياة السهر والجهاد الروحي، بل كان مسترخياً وقت الحرب، ومضجعاً وقت الجهاد. ذلك هو داود. وكم كنا نتمنى ألاّ يكبو داود هذه الكبوة الرهيبة من أجل انتصاراته الروحية الكثيرة، لكن هذا ما يتعرض له أي إنسان لا يسهر ولا يصلّي ولا يتسلح بسلاح الله الكامل. إذ حدث أنه "في وقت خروج الملوك أن داود أرسل يوآب وعبيدهُ معهُ وجميع إسرائيل فأخربوا بني عمون وحاصروا ربَّة. وأما داود فأقام في أورشليم. وكان في وقت المساءِ أن داود قام عن سريرهِ وتمشَّى على سطح بيت الملك فرأى من على السطح امرأة تستحمُّ. وكانت المرأة جميلة المنظر جدّاً…." وسقط داود في سلسلة من الخطايا الجسيمة التي أدَّت إلى دخول السيف والموت والعار إلى بيته.

لذلك يُوصينا المسيح بعدم التوقف عن الجهاد المقدس الذي عبّر عنه المسيح بقولهِ "فإن كانت عينك اليُمنى تُعثِرك فاقلعها وأَلقِها عنك. لأنه خيرٌ لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يُلْقى جسدك كلهُ في جهنَّم. وإن كانت يدك اليُمنى تُعثِرك فاقطعها وأَلقِها عنك. لأنه خيرٌ لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يُلْقَى جسدك كلهُ في جهنَّم"

وهنا لا يقصد المسيح قلع العين وقطع اليد لإزالة العثرة، فالعثرة أساساً نابعة من القلب، لكن يقصد الجهاد المستميت لإزالة العثرة وأسبابها، فباعتبار أن العين هي سراج الجسد وأن اليد هي القوة العاملة في الجسد، فهما من الأعضاء الأكثر فاعلية في الجسد، وهنا يريد المسيح أن يعلمنا أننا ينبغي أن نبذل كل اجتهاد لكي لا ننظر إلى ما تشتهيه العين من العثرات حتى لا نقع في ممارسة العثرة بالعين وبباقي أعضاء الجسد وأيضاً نحترص جداً أن لا نسلم اليد اليمنى التي ترمز إلى القوة التي فينا للعثرة والسقوط أمام الشيطان، بل ننتبه ونبتعد تماماً عن كل ما يعثرنا. ويضع أمامنا المسيح هذه المقارنة أنه خير لنا أن يهلك أحد أعضائنا أي بإماتة العثرة في أعضاء الجسد على أن نسلم نفوسنا للشيطان بإطاعة العثرة في حياتنا فتكون نهايتنا الهلاك الأبدي في نار جهنم.

والطريق الوحيد لممارسة هذا الجهاد القانوني للخلاص من العثرة يبدأ أولاً بالولادة من فوق حينما يتوب الإنسان ويعترف بخطاياه ويندم عليها ويدرك أن المسيح مات لكي يعطيه الحياة فيؤمن بكفارة المسيح. ويطلب الرحمة من الله، وبناءاً علي عمل دم المسيح يتصالح الله مع الإنسان، ويلتقي الله القدوس مع الإنسان التائب الذي آمن وقبل فداء المسيح فتنسكب محبة الله بالروح القدس في قلب الإنسان ويعطيه الرب شركة الطبيعة الإلهية التي فيها يستطيع أن يمارس الجهاد الحسن في تكريس حياته للقداسة.. لأن كلمة المسيح قد سكنت فيه بغنى. فيا ليت الجميع يقبلون طريق الله للخلاص.. آمين
 

Back

رجوع الى الصفحة الرئيسية