12
أخنوخ النبي
 

تكوين 4،5

أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البر الذي أسسه ، وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدم لكم حلقة أخرى من برنامجكم ‘طريق البر’.

لقد تعلمنا في حلقتنا السابقة عن قايين وهابيل، أول ابنين لآدم. ورأينا كيف أن كليهما قدما قرباناً لله في عبادتهما له. لقد آمن هابيل بالله وقدم له دم حمل، أما قايين فقد حاول أن يتقدم إلى الله عن طريق مجهوده هو. ولقد قبل الرب قربان هابيل، أما قربان قايين فلم يقبله. لقد دعى الله قايين للتوبة، لكن قايين اغتاظ، وسقط وجهه، وقتل أخيه هابيل.

واليوم نريد أن ندرس معكم الأصحاح الرابع والخامس من سفر التكوين في التوراه. تقول كلمة الله أن آدم وحواء ‘‘ولدا بنيناً وبنات.’’ (تك4:5). لكن الله كشف لنا قصة اثنان من نسل آدم: قصة نسل قايين، وقصة نسل شيث، أحد اخوة قايين الأصغر منه عمراً.

دعونا أولاً نلقي نظرة على نسل قايين. لقد اختار قايين زوجة من أقاربه وأنجبا أولاداً. فكما أن ‘‘الحدأة لاتلد كتاكيت’’، كذلك نسل قايين لم يختلفوا عنه في تفكيرهم وتصرفاتهم وكلامهم. إذ كانوا يقدِّرون الأشياء العالمية فقط. فقد بنوا مدينة، وصنعوا أدوات وألات كالقيثارة، وأشياء مثل ذلك. وكان واحد من ذرية قايين، اسمه توبال قايين، الضارب والمبدع لكل آلة من حديد ونحاس.

وكان واحد من نسل قايين يُدعى لامك، وكان ينتمي إلى الجيل السابع من آدم. وسار لامك في خطوات جده قايين، ولكنه كان أسوأ من قايين. إذ كان أول من تزوج امرأتين، وكان مثل قايين قاتلاً. وتقول كلمة الله أن لامك قتل اثنين، وافتخر أنه كان أكثر شراً من قايين. ومثل قايين وكل نسله، لم يهتم لامك أيضاً بإرادة الله. وكان أنانياً، محباً للمال. وكان متكبراً ومغروراً، ومحباً لذاته. كان الشيطان هو سيده، ولكنه لم يدرك ذلك. وكان لامك هكذا لأنه اختار أن يسلك طريق قايين. دعونا لاننسى أسم لامك؛ لأننا سنرجع لذكره قبل نهاية الحلقة.

مجداً لله، فكلمة الله لاتتوقف عند قصة قايين ونسله الشرير. فتقول كلمة الله عن نسل شيث، أن الله أعطى آدم وحواء ابناً آخر ‘‘عوضاً عن هابيل؛ لأن قايين كان قد قتله.’’ (تك 5:4) وشيث تعني ‘‘المختار’’.

لقد اختار الله شيث أن يكون عوضاً عن هابيل. لكن لماذا كان على شيث أن يحل محل هابيل؟ هذه هي الإجابة: لقد وعد الله في جنة عدن بأن هناك واحداً سيجىء للعالم ليغلب الشيطان ويحرر نسل آدم من قوته. وهذا المخلص كان ممكناً أن يأتي من نسل هابيل الذي كان قد آمن بالله. لكن الشيطان جعل قايين يقتل هابيل. لقد أراد الشيطان أن يعوق خطة الله في إرسال مخلص الى العالم. لكن حكمة الله تفوق حكمة الشيطان. لقد كان لله خطة ليخلِّص بها نسل آدم من خطاياهم، ولاأحد يستطيع أن يعوقها، حتى الشيطان نفسه. ومن أجل هذه الخطة، أعطى الله لآدم وحواء شيث عوضاً عن هابيل الذي كان قد قتله قايين. وهكذا، كانت خطة الله في إرسال مخلص، تتقدم في سيرها.

كان شيث مؤمناً حقيقياً. ومثل أخيه الأكبر هابيل، اختار شيث أيضاً أن يسلك طريق الخلاص الذي أسسه الله. ولقد وُلد شيث في الخطية مثل نسل آدم. لكن شيث آمن بوعد الله، أن مخلصاً سيأتي الى العالم، وعبَّر عن إيمانه بإحضار دم حمل كذبيحة أمام الله؛ لتكفر عن خطاياه. وهناك أمر هام بالنسبة لشيث، ذلك أنه ربَّى أبناءه على معرفة الله. إذ تقول كلمة الله: ‘‘حينئذٍ أبتُدِئَ أن يُدعى باسم الرب.’’ (تك 26:4)

وهكذا نرى أن هناك نسلين لآدم. نسل قايين ونسل شيث. هل تعلم ماذا يمثلان هذان النسلان؟ إنهما يمثلان مجموعتين من الناس في العالم، من عهد آدم الى اليوم. في نظر الله، هناك مجموعتان من الناس. فالله لايرى فرقاً بين الخطية السوداء والخطية البيضاء، بين رجل وامرأة، بين غني وفقير، إن الله ليس متحيزاً. إلا أن الله يفصل الناس في مجموعتين. فهناك مجموعة تؤمن بكلمة الله، والأخرى لاتؤمن بها. هناك من يعرفون الله، وهناك الذين لايعرفونه. هناك الذين يسلكون في طريق النور، وهناك من يسلكون في طريق الظلمة. هناك من سيُغفَر لهم، وآخرون لن يغفر لهم. فكل من يؤمن بالله ويختار طريق البر الذي أسسه، سيخلص وينال حياة أبدية، كما خلص شيث وعائلته. ومن لايختار طريق الله للبر، سيهلك كما هلك قايين وعائلته.
تقول كلمة الله أن آدم عاش تسعمائة وثلاثين عاماً، ومات بعد ذلك. ففي هذه الأيام الأولى، كان الناس يعيشون سنيناً طويلة، ولكن في النهاية يموتون مثل كل الناس. لقد مات آدم وحواء كما قال الله. إلا أنه عندما خلق الله آدم وحواء، لم تكن إرادة الله أن يموتا، بل أن يعيشا. لماذا إذاً مات آدم وحواء؟ لقد ماتا لأنهما ارتكبا الخطية، والخطية تؤدي الى الموت.

في الوقت المتبقي لنا، سنرى قصة رجل الله الذي كان من نسل شيث مؤمناً بالله. إنه أخنوخ نبي الله. وهو ما يعرفه البعض باسم ‘‘إدريس’’. وفي الأصحاح الخامس من سفر التكوين نرى اجداد أخنوخ. فآدم كان أباً لشيث، وشيث صار أباً لأنوش، الذي صار أباً لقينان الذي صار أباً لمهللئيل، الذي ولد يارد، الذي صار أباً لأخنوخ.

فمثل جميع الناس، وُلِد أخنوخ في الخطية. لكن عندما بلغ أخنوخ الخامسة والستين من عمره، تاب عن خطاياه، وحول نظره إلى الله، وآمن بوعد الله بمجئ مخلص إلى العالم ليموت كذبيحة من أجل خطايانا. وقد عبَّر لله عن إيمانه، بتقديمه لله ذبيحةً ككفارةٍ للخطية. وهكذا حسب الله إيمان أخنوخ براً، وغفر له خطاياه، وطهَّر قلبه من الخطية. إذ تقول كلمة الله: ‘‘صار أخنوخ مع الله…ثلاثمئة سنةٍ.’’ (تك22:5)

إن السير مع الله في أيام أخنوخ لم يكن سهلاً كما هو الآن أيضاً؛ لأنها كانت فترة شريرة وفاسدة. لكن أخنوخ عَرِف أن الله لم يخلق الإنسان ليكون خاطئاً، بل خلقه ليكون باراً. ومن ثمَّ، لم يدَعْ أخنوخ الشهوة تسيطر عليه كما سيطرت على جيرانه الذين لم يؤمنوا بالله. لكنه، مثل الله، أحب البر، وكره الخطية. وبالرغم من أن الناس أهانوه واضطهدوه من أجل حياة البر التي اختارها، لكن أخنوخ لم يدَعْ ذلك يؤثر عليه؛ لأنه علم أنه ليس هناك أهم من أن يكون في سلام مع الله. لقد اختار الله أخنوخ لكي يخدمه، ويكون نبيه أثناء تلك الفترة الشريرة. ومثل جميع الأنبياء، راح أخنوخ يشهد عن المخلص الذي سيأتي الى العالم، ويعلن أن المخلص سيعود مرة ثانية ليعاقب الذين رفضوا أن يتوبوا ويؤمنوا به. فكان أخنوخ يعلم قائلاً:
‘‘هوذا يأتي الرب في ربوات قديسيه ليصنع دينونة على الجميع، ويعاقب جميع فجَّارهم على جميع أعمال فجورهم التي فجروا بها، وعلى جميع الكلمات الصعبة التي تكلم بها عليه خطاةٌ وفجارٌ." (يهوذا 14-15)

هناك شئ آخر عجيب نحتاج أن نعرفه عن أخنوخ: وهو أنه لم يمت. هذا صحيح. فكلمة الله تخبرنا أن ‘‘أخنوخ سار مع الله ولم يوجد؛ لأن الله أخذه.’’ (تك24:5). إن الله في عظمته وخطته، نقل أخنوخ إلى السماء، دون أن يدعه يذهب عبر بوابة الموت.

ولكن، لماذا نقل الله أخنوخ بهذه الطريقة؟ لقد أراد الله، من خلال حياة أخنوخ، أن يعلمنا كيف يتعامل هو مع الذين يؤمنون به ويسعون لإرضائه. تقول كلمة الله:
‘‘بالإيمان نُقل أخنوخ لكي لا يرى الموت، ولم يوجد لأن الله نقَلَه. إذ قبل نقله شُهِد له بأنه قد أرضى الله. ولكن بدون إيمان لايمكن إرضاؤه؛ لأنه يجب أن الذي يأتي إلى الله، يؤمن بأنه موجود، وأنه يجازي الذين يطلبونه.’’ (عبرانيين 5:11-6).

لقد أرضى أخنوخ الله لمدة ثلاثمئة سنة لأنه آمن بالله، وأحبه، وأطاعه في الوقت الذي فيه لم يبالِ الناس بما أراده الله. ومن أجل هذا دعا الله أخنوخ. وفي الحال، وجد أخنوخ نفسه في الفردوس، في مجد بيت الله إلى الأبد.
يوجد شئ في غاية الأهمية في حياة أخنوخ يريد الله أن يكشفه لنا: وهو إنه إن لم يكن لك إيمان مثل إيمان أخنوخ، فإنه لايمكنك أن ترضي الله. ولكن إن كان لك إيمان كإيمان أخنوخ، سيحسبك الله باراً، ولاداعي أن تخاف الموت.
لك أن تعرف أن الله قد قهر الموت من أجلك؛ لأنك إن سمعت الى كلمة الله، وآمنت بها، فعندما تنتهي حياتك على الأرض، ستذهب لتعيش في محضر الله إلى الأبد مثل أخنوخ. لكنه يتعين عليك أن تفهم وتؤمن بما قاله الله عن الطريق البار الذي وضعه للخلاص.

ولكي نلخِّص دراستنا، نريد أن نضع مقارنة بين أثنين من نسل آدم قد سمعنا عنهما: لامك وأخنوخ.

إن لامك وأخنوخ هما من الجيل السابع من آدم. لامك كان من نسل قايين، وأخنوخ كان من نسل شيث. لقد عاشا في نفس الحقبة الزمنية، إلا أن اهتماماتهما لم تكن مشتركة. فنهجهما في الحياة كان مختلفاً كاختلاف الليل من النهار.

.. فلامك لم يؤمن بالله ولابكلمته. أما أخنوخ، فآمن بالله وبكلمته.
.. لامك سار مع الشيطان في النجاسة. أما أخنوخ، فسار مع الله في القداسة.
.. لامك اهمل طريق الخلاص الذي وضعه الله. أما أخنوخ، فقد تعلق بطريق الله
واحضر إلى الله دم حمل ليكفرعن خطاياه.
.. لامك اشتهى المال والنساء والطعام والملبس واللذة. أما أخنوخ، فرغب في علاقة
حميمة مع من أعطاه الحياة.
.. لامك مات في خطاياه وذهب إلى الجحيم. أما أخنوخ، فأخذه الله بقربه في
السموات.

وفي النهاية، أصدقائي المستمعين .. هناك سؤال مهم.
.. هل أنت مثل لامك، أم أنك مثل أخنوخ؟
.. هل تنتمي إلى نسل قايين ولامك، أم نسل شيث وأخنوخ؟
.. هل في حياتك تعتنق إيمان أخنوخ، أم تسير في طريقك الخاص مثل لامك؟
تقول كلمة الله: ‘‘جربٌّوا أنفسكم، هل أنتم في الإيمان’’ لأن ‘‘بدون إيمان لايمكن إرضاؤه.’’ (2كورنثوس5:13، عبرانيين6:11)

أصدقائي المستمعين ..
هذه هي نهاية حلقتنا اليوم. وفي المرة القادمة بإذن الله سنبدأ في دراسة نبي آخر، وهو نبي الله نوح.

فليبارككم الله وأنتم تتأملون في كلمته:
‘‘ولكن بدون إيمان لايمكن إرضاؤه؛ لأنه يجب أن الذي يأتي إلى الله يؤمن بأنه موجود، وأنه يجازي الذين يطلبونه.’’ (عبرانيين6:11)
ــــــــــــــــ
 

الدرس الثالث عشر | فهرس دراسات طريق البرِّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية