19
إبراهيم، خليل الله
 

تكوين 13-15

أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البر الذي أسسه ، وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدم لكم حلقة أخرى من برنامجكم ‘طريق البر’.

بدأنا النظر، في حلقتنا السابقة، فيما تقوله كلمة الله عن النبي إبراهيم. وعرفنا أن إبراهيم كان اسمه أبرام. ورأينا أيضاً، أنه ولد في أور الكلدانيين، التي هي العراق اليوم. وكان الناس في هذه الأرض يعبدون الأوثان. ولكن كلمة الله تقول أن الله ظهر لأبرام، وطلب منه أن يترك بيت أبيه، ويرحل إلى الأرض التي سيريها له.

فهل تتذكر لماذا قال الله لأبرام أن يرحل لأرض اخرى؟ ذلك، لأن الله كان يخطط أن يصنع منه أمة يأتي منها الأنبياء، وفي النهاية، يأتي منها مخلِّص العالم نفسه. ولهذا قال الله لأبرام: ‘‘وتكون بركة .. وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض.’’ (تك 2:12
،3)

وقرأنا كيف أطاع أبرام الله، وترك أرضه، وهو لا يعلم إلى أين يقوده الله. وكان أبرام يبلغ الخامسة والسبعين عاماً عندما ترك بيت أبيه. واخذ أبرام معه ساراي زوجته، ولوط ابن أخيه الأكبر، واخذ معه أيضاً أملاكه وعبيده، واتجه إلى كنعان. وكنعان، هي ما تعرف اليوم بفلسطين أو إسرائيل.

وعندما وصل أبرام إلى أرض كنعان، ظهر له الرب مرة ثانية، وقال له: ‘‘لنسلك أعطي هذه الأرض’’ (تك 7:12). وهكذا نرى، كيف أن الله الذي وعد أن يجعل أبرام أباً لأمة جديدة، وعد أيضاً أن يعطيه أرضاً جديدة له ولنسله ليعيشوا فيها. إنه لعجيب، فأبرام وزوجته كانا متقدمين في السن، ولم يكن لديهما أبناء. كيف إذن يمكن أن يكون لهما نسلاً يملأ الأرض؟ سنرى سريعاً رد الله على هذا.

وألآن، دعونا نواصل قصة أبرام. ونذكِّركم بأننا ندرس في كتاب التوراة، في سفر التكوين، والأصحاح الثالث عشر. وفي هذا الأصحاح، سوف نرى ما الذي حدث بين أبرام وابن أخيه لوط. يقول الكتاب:
‘‘وكان أبرام غنياً جداً في المواشي والفضة والذهب. وسار في رحلاته من الجنوب إلى بيت إيل، إلى المكان الذي كانت خيمته فيه في البداءة، بين بيت إيل وعاي، إلى مكان المذبح الذي عمله هناك أولاً. ودعا هناك أبرام باسم الرب. ولوط السائر مع أبرام، كان له أيضاً غنم وبقر وخيام. ولم تحتملهما الأرض أن يسكنا معاً؛ إذ كانت أملاكهما كثيرة، فلم يقدرا أن يسكنا معاً. فحدثت مخاصمة بين رعاة مواشي أبرام، ورعاة مواشي لوط. وكان الكنعانيون والفرزيون حينئذ، ساكنين في الأرض. فقال أبرام للوط: ‘لاتكن مخاصمة بيني وبينك، وبين رعاتي ورعاتك؛ لأننا نحن أخوان. أليست كل الأرض أمامك. إعتزل عني. إن ذهبت شمالاً فأنا يميناً، وإن ذهبت يميناً فأنا شمالاً.’ فرفع لوط عينيه، ورأى كل دائرة الأردن أن جميعها سقيٌ، كجنة الرب كأرض مصر من ناحية صوعر (وكان هذا قبلما أخرب الرب سدوم وعمورة). فاختار لوط لنفسه كل دائرة الأردن، وارتحل لوط شرقاً. فاعتزل الواحد عن الآخر: أبرام سكن في أرض كنعان، ولوط سكن في مدن الدائرة ونقل خيامه إلى سدوم. وكان أهل سدوم أشراراً وخطاة لدى الرب جداً.’’ (تك 2:13-13)

وهكذا، نرى كيف اختار لوط الأرض الأكثر خضرة، وكيف ترك الأرض اليابسة لأبرام. لكن البقعة التي اختارها لوط، كانت في منطقة سدوم، المدينة التي كانت ممتلئة بشر عظيم.

لقد أختار لوط حسب إرادته هو، أما أبرام فاختار حسب إرادة الله. وسنرى بعد حلقتين، بإذن الله، ماذا حدث للوط الذي اختار أن يتبع رغباته. ففي النهاية، فقد لوط كل شيء: فقد ثراءه، وزوجته، وعائلته، وسعادته، وشهادته! أما أبرام، فترك كل شيء في يدي الله، وباركه الله ببركات عظيمة.

ولكن، كيف يمكننا أن نستفيد من قصة أبرام ولوط؟ ربما يمكننا هذا عندما نسأل أنفسنا سؤالاً بسيطاً: هل أنا أشبه لوط، أم أشبه أبرام؟ هل أسعى وراء الأشياء العالمية مثل لوط، أم أسعى إلى الأبدية مثل أبرام؟ فنحن أيضاً، مثل لوط وأبرام، يجب أن نختار بين إرادتنا، وإرادة الله. والإنسان الحكيم هو من يختار إرادة الله .
يقول الكتاب: ‘‘ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه.’’ (مر 36:8) ويقول الكتاب أيضاً: ‘‘لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم .. لأن العالم يمضي وشهوته، وأما الذي يصنع مشيئة الله فيثبت إلى الأبد.’’ (1يو 15:2
،17)
فما الذي تبغيه أكثر من أي شيء آخر؟ أمور الأرض الزائلة، أم أمور الله التي تبقى إلى الأبد؟

وألآن، دعونا نواصل قصة أبرام.
يقول الكتاب:
‘‘وقال الرب لأبرام بعد اعتزال لوط عنه: ‘ارفع عينيك، وانظر من الموضع الذي أنت فيه شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً، لأن جميع الأرض التي ترى، لك أعطيها ولنسلك إلى الأبد. وأجعل نسلك كتراب الأرض، حتى إذا استطاع أحد أن يعد تراب الأرض، فنسلك أيضاً يُعَد. قم امشِ في الأرض، طولها وعرضها، لأني لك أعطيها’. فنقل أبرام خيامه، وأتى وأقام عند بلوطات ممرا التي في حبرون. وبنى هناك مذبحاً للرب.’’ (تك14:13-18)

ثم يقول الكتاب:
‘‘ثم بعد هذه الأمور، صار كلام الرب إلى أبرام في الرؤيا قائلاً: ‘لا تخف يا أبرام. أنا ترسٌ لك. أجرك كثيرٌ جداً.’ فقال أبرام: ‘أيها السيد الرب، ماذا تعطيني وأنا ماضٍ عقيماً، ومالك بيتي هو أليعازر الدمشقي؟ فإنك لم تعطني نسلاً، وهوذا ابن بيتي وارثٌ لي.’ فإذا كلام الرب إليه قائلاً: ‘لا يرثك هذا؛ بل الذي يخرج من أحشائك هو يرثك.’ ثم أخرجه إلى خارج، وقال: ‘أنظر إلى السماء، وعدّ النجوم إن استطعت أن تعدها.’ وقال له: ‘هكذا يكون نسلك.’ فآمن أبرام بالرب، فحسبه له الرب براً.’’ (تك 1:15-6)

إنه لمدهش! فأبرام وزوجته كانا متقدمين في العمر، ولم يكن لهما أبناء، ومع ذلك استمر الله أن يَعِد أبرام بأمة عظيمة من نسله. فكيف يمكن أن يكون هذا؟ وكيف يمكن لأبرام أن يكون أباً لأمة عظيمة؟ هناك إجابة واحدة، وهي أن الله هو الإله القادر أن يفعل كل شيء. إنه إله عظيم، ولا يعسر عليه أمر. فالله ينفذ ما قد وعد به.

ولكن، ماذا عن أبرام؟ هل آمن أبرام بالرب، الذي وعد بأمر مستحيل الحدوث؟ اسمع لما يقوله الكتاب: ‘‘فآمن أبرام بالرب، فحسبه له الرب براً !’’ يا له من أمر عجيب! فلقد وعد الله أبرام بأمر مستحيل الحدوث من الجهة الإنسانية. ومع ذلك، ماذا كان رد فعل ابرام؟ لقد آمن أبرام بالله! وماذا فعل الله؟ لقد حكم الله على أبرام أنه بار؛ وذلك بسبب إيمانه!

فهذه الحقيقة، تبهر قلوب الذين يريدون أن يُحسَبوا أبراراً عند الله. فلماذا حسب الله أبرام باراً؟ هل كان أبرام شخصاً باراً فعلاً؟ لا، ففي حلقتنا القادمة، سنرى كيف كان لأبرام طبيعة خاطئة مثل كل نسل آدم. فلماذا إذن حسب الله أبرام باراً؟ لقد حسب الله أبرام باراً، لأنه آمن بما قاله الله.

ولكن، ما الذي يعنيه ‘‘الإيمان’’ بالله؟
ربما نعلم، أن كتب الأنبياء قد كتبت باللغة العبرية. وفي العبرية، نجد أن الكملة التي تقابل كلمة ‘‘أؤمن’’ هي كلمة ‘‘آمان’’، التي تأتي منها كلمة ‘‘آمين’’. فعندما تقول ‘‘آمين’’، فأنت ببساطة تقول: ‘‘نعم؛ هذا حقيقي’’ أو ‘‘نعم؛ أوافق’’. وهذا هو معنى الإيمان. فعندما أعطى الله وعده لأبرام، كان رد أبرام في قلبه هو: ‘‘آمين؛ نعم؛ أؤمن يا رب بكلامك.’’ وعلى أساس كلمة ‘‘آمين’’ البسيطة هذه، التي قالها أبرام كرد على كلمة الله، حسب الله إبرام باراً.

ولكن، ماذا عنك أنت؟ هل تريد أن يحسبك الله باراً، كما حسب أبرام؟ إذا كنت تريد ذلك حقاً، فينبغي أن تؤمن بالله كما فعل أبرام. ينبغي أن تصدِّق ما يقوله الله، حتى ولو كان صعب التصديق. وينبغي أن تقبل كلمة الله الحقيقية وتؤمن بها، حتى إن لم يؤمن بها أقرباؤك أو أصدقاؤك. إن الله يريد أن يكسوك ببره، ويعطيك الحق أن تحيا في حضرته إلى الأبد، ولكن عليك أولاً أن تؤمن بكلمته. يقول الكتاب:
‘‘بدون إيمان لا يمكن إرضاؤه’’ (عب6:11) ، وأنه ‘‘بالنعمة أنتم مخلصون بالإيمان، وهذا ليس منكم؛ بل هو عطية الله، ليس بالأعمال كيلا يفتخر أحد.’’ (أف 8:2
،9)
ويقول أيضاً: ‘‘فماذا نقول إن أبانا إبراهيم قد وجد بحسب الجسد؟ لأنه إن كان إبراهيم قد تبرر بالأعمال فله فخر؛ ولكن ليس لدى الله. لأنه ماذا يقول الكتاب؟ يقول: ‘فآمن إبراهيم بالله، فحسب له براً’.’’ (رو 1:4-3)

آمن أبرام بما قاله الله. ولذا، أعطاه الله بره الكامل. والشيء العجيب في هذه الكلمات التي تقول: ‘‘فآمن إبراهيم بالله، فحُسِب له براً’’، هو أنها ليست موجهة لأبرام فقط. فنحن أيضاً، لنا نصيب في هذه الكلمات. فالله سيعطينا كمال بره، إذا آمنا بخبره السار عن المخلِّص الذي سيأتي إلى العالم من نسل أبرام.

ولكن ماذا عنك أنت .. عزيزي المستمع؟
.. هل تؤمن بالله حقاً؟ نحن لا نسألك هنا إن كنت تؤمن أن الله موجود، أو إن الله واحد. فالكتاب يتكلم عن هذا النوع من ‘‘الإيمان’’ فيقول:
‘‘أنت تؤمن أن الله واحد. حسناً تفعل. والشياطين أيضاً يؤمنون بذلك ويقشعرون!’’
(يع 19:2)
الشيطان نفسه يؤمن بأن الله واحد. فإن الإيمان بأن الله واحد، لن يجعل الله يغفر لك خطاياك، ويحسبك باراً! فما يريده الله هو: أن تؤمن بكلمته وتصدقها وتقبلها. إن الله يريد أن يتحدث إليك من خلال كتابات الأنبياء. فهو يريدك أن تعرف وتصدق بشارة الخلاص، القادرة أن توضح لك كيف يمكنك أن تصير باراً للأبد، أمام الله القدوس.


عزيزي المستمع ..
.. هل كساك الله بثياب بره؟ أم أنك مجرد تلبس ثياب الدين؟
.. هل تصغي إلى كلمة الله الجديرة بكل الثقة؟ أم تصغي إلى كلمات الناس الزائلة؟
.. هل تعرف ما الذي تعلنه الكتب المقدسة فيما يتعلق بالطريق البار للخلاص الذي أسسه الله؟ وهل آمنت به وصدقته؟

أما عن أبرام، فقد صدق كلمة الله وآمن به؛ بالرغم من أنها كانت تعني هجر كل أقربائه، وترك ديانة أبيه. ولهذا بالذات، دُعِيَ أبرام ‘‘خليل الله’’. وهذا هو ما يقوله الكتاب. يقول: ‘‘فآمن إبراهيم بالله فحُسِب له براً، ودُعِي خليل الله.’’ (يع 23:2)
.. فماذا عنك أنت ؟ هل أنت صديق الله؟

أعزائي المستمعين ..
دعونا نتوقف هنا اليوم.
نشكركم على حسن استماعكم، وندعوكم أن تشاركونا في الحلقة القادمة، عندما ندرس معاً قصة أبرام وإسماعيل.

فليبارككم الرب وأنتم تتأملون في آيته العظيمة التي تقول:
‘‘فآمن إبراهيم بالله فحُسِب له براً، ودُعِي خليل الله.’’ (يع 23:2)

ــــــــــــــــ
 

الدرس العشرون | فهرس دراسات طريق البرِّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية