21

إبــراهيم

وخراب سدوم، وميلاد إسحق

تك 18-21

أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البر الذي أسسه ، وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدم لكم حلقة أخرى من برنامجكم ‘طريق البر’.

من خلال دراستنا في التوراة، رأينا كيف وعد الله أن يجعل من إبراهيم أباً لأمة عظيمة، يأتي منها أنبياء الله، ومخلص العالم. ولكن، حتى هذه المرحلة من القصة، نجد أن سارة امرأة إبراهيم لم تلد بعد، وأن كليهما كانا طاعنين في السن.

واليوم، سنتناول قصة مدهشة. ففي بداية القصة، سنرى ثلاثة رجال جاءوا لزيارة إبراهيم. إلا أن هؤلاء الرجال الثلاثة كانوا أكثر من مجرد بشر عاديين. إثنان منهما كانا ملاكين، والثالث كان الرب الإله نفسه. والبعض منا قد يقول أن الله لا يمكن أن يكون قد ظهر لإبراهيم في صورة رجل. إلا أن هؤلاء قد نسوا أن الله عظيم، ولا يعسر عليه أمر. فالله يستطيع أن يفعل أي شيء، عدا الشر.

وسنقرأ اليوم، من أربعة أصحاحات في التوراة. تقول كلمة الله في الأصحاح الثامن عشر من سفر التكوين:
‘‘وظهر الرب لإبراهيم عند بلوطات ممرا، وهو جالس في باب الخيمة، وقت حر النهار. فرفع عينيه، ونظر، وإذا ثلاثة رجال واقفون لديه. فلما نظر، ركض لاستقبالهم من باب الخيمة، وسجد إلى الأرض. وقال: يا سيد، إن كنت قد وجدت نعمة في عينيك، فلا تتجاوز عبدك. ليؤخذ قليل ماء، واغسلوا أرجلكم، واتكئوا تحت الشجرة. فآخذ كسرة خبز، فتسندون قلوبكم، ثم تجتازون؛ لأنكم قد مررتم على عبدكم. فقالوا: هكذا تفعل كما تكلمت. فأسرع إبراهيم إلى الخيمة .. ثم أخذ زبداً ولبناً والعجل الذي عمله، ووضعها قدامهم. وإذ كان هو واقفاً لديهم تحت الشجرة، أكلوا.
‘‘وقالوا له: أين سارة امرأتك. فقال: إنها في الخيمة. فقال: إني أرجع إليك نحو زمان الحياة، ويكون لسارة امرأتك ابن. وكانت سارة سامعة في باب الخيمة، وهو وراءه. وكان إبراهيم وسارة شيخين متقدمين في الأيام. وقد انقطع أن يكون لسارة عادة كالنساء. فضحكت سارة في باطنها قائلة: أبعد فنائي يكون لي تنعم، وسيدي قد شاخ؟ فقال الرب لإبراهيم: لماذا ضحكت سارة قائلة أفبالحقيقة ألد وأنا قد شخت؛ هل يستحيل على الرب شيء؟ في الميعاد أرجع إليك نحو زمان الحياة، ويكون لسارة ابن. فأنكرت سارة قائلة: لم أضحك؛ لأنها خافت. فقال: لا؛ بل ضحكت.
‘‘ .. وقال الرب: إن صراخ سدوم وعمورة قد كثر (أي صراخ الناس ضد أهل سدوم وعمورة)، وخطيتهم قد عظمت جداً. أنزل وأرى، هل فعلوا بالتمام حسب صراخها الآتي إليَّ. وإلا فأعلم. وانصرف الرجال (أي الملاكين) من هناك، وذهبوا نحو سدوم. وأما إبراهيم فكان لم يزل قائماً أمام الرب.
‘‘فتقدم إبراهيم وقال: أفتهلك البار مع الأثيم. عسى أن يكون خمسون باراً في المدينةِ. أفتهلك المكان، ولا تصفح عنه من أجل الخمسين باراً الذين فيه. حاشا لك أن تفعل مثل هذا الأمر، أن تميت البار مع الأثيم فيكون البار كالأثيم. حاشا لك؛ أديان كل الأرض لايصنع عدلاً؟ فقال الرب: أن وجدت في سدوم خمسين باراً في المدينة، فأني اصفح عن المكان كله من أجلهم. فأجاب إبراهيم وقال: إني قد شرعت أكلم المولى وأنا تراب ورمادٌ. ربما نقص الخمسون باراً خمسةً. أتهلك كل المدينة بالخمسة؟ فقال: ‘لا أهلك إن وجدت هناك خمسةً وأربعين. فعاد يكلمه أيضاً وقال: ‘عسى أن يوجد هناك أربعون. فقال لا أفعل من أجل الأربعين. فقال: ‘لا يسخط المولى فأتكلم. عسى أن يوجد هناك ثلثون. فقال: لا أفعل إن وجدت هناك ثلثين. فقال: إني قد شرعت أكلم المولى. عسى أن يوجد هناك عشرون. فقال: لا أهلك من أجل العشرين. فقال: لا يسخط المولى فأتكلم هذه المرة فقط. عسى أن يوجد هناك عشرةٌ. فقال: لا أهلك من أجل العشرة. وذهب الرب عندما فرغ من الكلام مع إبراهيم، ورجع إبراهيم إلى مكانه. ( تك33: 1)

‘‘فجاء الملاكان إلى سدومَ مساءً، وكان لوط جالساً في باب سدوم. فلما رآهما لوط، قام لاستقبالهما، وسجد بوجهه إلى الأرض. وقال: يا سيديَّ، ميلا إلى بيت عبدكما وبيتا واغسلا أرجلكما. ثم تبكران وتذهبان في طريقكما. فقالا: لا، بل في الساحة نبيت. فألح عليهما جداً. فمالا إليه ودخلا بيتَهُ. فصنع لهما ضيافةً وخبز فطيراً، فأكلا.
‘‘وقبلما اضطجعا، أحاط بالبيت رجال المدينة، رجال سدوم من الحَدَثِ إلى الشيخٍ. كل الشعب من أقصاها. فنادوا لوطاً وقالوا له: أين الرجلان اللذان دخلا إليك الليلة؟ أخرجهما إلينا لنعرفهما.’’
فلقد كان الكثير من رجال سدوم شاذين جنسياً. وهي خطية يسميها الله ‘‘الفحشاء’’ (أنظر: رو 26:1-27).
‘‘فخرج إليهم لوط إلى الباب، وأغلق الباب وراءَه. وقال: لا تفعلوا شراً يا إخوتي .. هذان الرجلان لا تفعلوا بهما شيئاً، لأنهما قد دخلا تحت ظل سقفي. فقالوا: ابعد إلى هناك. ثم قالوا: جاءَ هذا الإنسان ليتغرب، وهو يحكمُ حكماً. الآن نفعل بك شراً أكثر منهما. فألحَّوا الرجال على لوطٍ جداً، وتقدموا ليكسروا الباب. فمد الرجلان (أي الملاكان) أيديهما، وأدخلا لوطاً إليهما إلى البيت، وأغلقا الباب. وأما الرجال الذين على باب البيت فضرباهم بالعمى من الصغير إلى الكبير. فعجزوا على أن يجدوا الباب.
‘‘وقال الرجلان (أي الملاكان) للوطٍ: من لك أيضاً ههنا. أصهارك وبنيك وبناتك وكل من لك في المدينة، أخرج من المكان؛ لأننا مهلكان هذا المكان. إذ قد عظم صراخهم (أي صراخ الناس ضدهم) أمام الرب فأرسلنا الربُّ لنهلكه. فخرج لوط وكلَّم أصهاره الآخذين بناته، وقال: قوموا اخرجوا من هذا المكان. لأن الرب مهلك المدينة. فكان كمازحٍ في أعين أصهاره.
‘‘ولما طلع الفجر، كان الملاكان يعجِّلان لوطاً قائلين: قم خذ امرأتك وابنتيك الموجودين لئلا تهلك بإثم المدينة. ولما توانى أمسك الرجلان بيده وبيد امرأته وبيد أبنتيه، لشفقة الرب عليه، وأخرجاه ووضعاه خارج المدينة. وكان لما أخرجهم إلى خارجٍ إنه قال: اهرب لحياتك. لا تنظر إلى ورائك ولا تقف في كل الدائرة. اهرب إلى الجبل لئلا تهلك.’’ (تك 1:19-17).
‘‘فأمطر الرب على سدوم وعمورة كبريتاً وناراً من عند الرب من السماء. وقلب تلك المدن، وكل الدائرة، وجميع سكان المدن، ونبات الأرض. ونظرت امرأته من ورائه، فصارت عمود ملح.
‘‘وبكر إبراهيم في الغد، في المكان الذي وقف فيه أمام الرب. وتطلَّع نحو سدوم وعمورة، ونحو كل أرض الدائرة، ونظر، وإذا دخان الأرض يصعد كدخان الآتون. وحدث، لما أخرب الله مدن الدائرة، أن الله ذكر إبراهيم، وأرسل لوطاً من وسط الإنقلاب، حين قلب المدن التي سكن فيها لوط.’’ (تك 24:19-29).

هذه هي القصة الفعلية لدينونة الله لمدينتي سدوم وعمورة، وإحراقه إياهما بالكبريت والنار من السماء. واليوم، تقع آثار حطام هاتين المدينتين تحت مياه البحر الميت (المالح) في فلسطين (أو إسرائيل). حقاً، إن الإستمرار في الخطية ليس اختياراً حكيماً؛ لأن الله جاد في إدانة الخطية.

وفي الوقت المتبقي لدينا اليوم، نريد أن نستمر في قراءة التوراة؛ لنرى كيف أعطى الله إبراهيم وسارة ابناً، محققاً الوعد الذي أعطاه لهما من زمن بعيد. يقول الكتاب في الأصحاح الحادي والعشرين:
‘‘وافتقد الرب سارة كما قال، وفعل الرب لسارة كما تكلم. فحبلت سارة، وولدت لإبراهيم ابناً في شيخوخته، في الوقت الذي تكلم الله عنه. ودعا إبراهيم اسم ابنه المولود له، الذي ولدته له سارة، "إسحق". وختن إبراهيم إسحق ابنه وهو ابن ثمانية أيام، كما أمره الله. وكان إبراهيم ابن مئة سنة حين وُلِد له إسحق ابنه. وقالت سارة: لقد صنع إليّ الله ضحكاً. كل من يسمع يضحك لي. وقالت: من قال لإبراهيم سارة ترضع بنين، حتى ولدت ابناً في شيخوخته؟’’ (تك 1:21-7).

وهكذا، أتم الله وعده لإبراهيم وسارة الذي أعطاهما إياه منذ زمن بعيد. فسارة، التي كانت تُعرف بأنها عاقر لا تحبل، ولدت ابناً كما قال الله. لقد دعوه إسحق، أي ‘‘الذي يضحك’’. ولكن، لم يكن الكل سعيداً بميلاد إسحق. فتقول كلمة الله:
‘‘فكبر الولد، وفُطِم. وصنع إبراهيم وليمة عظيمة يوم فطام إسحق. ورأت سارة ابن هاجر المصرية الذي ولدته لإبراهيم، يمزح. فقالت لإبراهيم: أطرد هذه الجارية وابنها؛ لأن ابن هذه الجارية لا يرث مع ابني إسحق. فقبح الكلام جداً في عيني إبراهيم لسبب ابنه. فقال الله لإبراهيم: لا يقبح في عينيك من أجل الغلام، ومن أجل جاريتك. في كل ما تقول لك سارة، اسمع لقولها. لأنه بإسحق يدعى لك نسل. وأبن الجارية أيضاً سأجعله أمة لأنه نسلك. فبكَّر إبراهيم صباحاً، وأخذ خبزاً وقربة ماء، وأعطاهما لهاجر واضعاً إياهما على كتفها والولد، وصرفها.’’ (تك 8:21-14)

لقد كان رحيل إسماعيل مؤلماً لإبراهيم، ولكنه كان حدثاً محتوماً؛ لأن الله أعلن له أن الأمة الجديدة ومخلص العالم سيأتيان من نسل إسحق، وليس نسل إسماعيل. فإسماعيل الذي كان يبلغ الخامسة عشر من العمر، مزح بإسحق، ولم يعط أي تقدير لخطة الله من حيث أنه سيجعل من نسل إسحق أمة عظيمة؛ تلك التي ستقدِّم الخلاص للعالم.

فما حدث إذن لإسماعيل؟ إن الأعداد التالية ترينا أن إسماعيل وأمه عاشا في الصحراء بالقرب من مصر، ثم تزوج إسماعيل بامرأة مصرية. وأصبح إسماعيل أباً لجنس العرب، الذي أصبح عدواً للأمة التي أتت من إسحق، تماماً كما أعلن الله لإبراهيم. (أنظر تك 12:16). ولهذا السبب، هناك عداوة بين العرب واليهود إلى هذا اليوم، كما تعلمون! إن الله يحب العرب واليهود، وكل الناس من كل أمم العالم، ويريدهم أن يقبلوا إليه.

أصدقائي المستمعين ..
نأتي إلى ختام حلقتنا اليوم. نثق أنكم مرة ثانية رأيتم أن الله الحي الحقيقي هو إله أمين، لا يرجع في كلمته. وهذا هو السبب الذي جعله يدين سدوم وعمورة، تماماً كما قال. ولهذا أيضاً، أعطى إبراهيم وسارة ابناً في شيخوختهما، تماماً كما وعد أنه سيفعل. ولهذا أيضاً، جعل إبراهيم يرسل إسماعيل بعيداً، كي ما يتمم غرضه الذي لا يتغير.

أعزائي المستمعين ..
نشكركم على كريم إصغائكم. وإلى اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله، حيث ندرس معاً أهم حدث في حياة إبراهيم، ألا وهو قصة تقديم إبراهيم ابنه كذبيحة.
وحتى الحلقة القادمة، نترككم مع هذه الآية من كلمة الله، والتي تقول:
‘‘يالعمق غنى الله وحكمته وعلمه. ما أبعد أحكامه عن الفحص، وطرقه عن الاستقصاء. لأنه من عرف فكر الرب، أو من صار له مشيراً. ومن سبق فأعطاه فيكافاً. لأنه منه وبه وله كل الأشياء. له المجد إلى الأبد. آمين’’ (رو 33:11-36).

ـــــــــــــ
 

الدرس الثاني والعشرون | فهرس دراسات طريق البِرّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية