34
طريـق عبر البحـر

 

خروج 13-15

أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البر الذي أسسه ، وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدم لكم حلقة أخرى من برنامجكم ‘طريق البر’.

رأينا في حلقتنا السابقة، كيف خلَّص الله شعب إسرائيل من عبوديتهم بقتل كل أبكار المصريين. ولكنه خلص أبكار بني إسرائيل من الموت، بسبب دم الحمل الذي غطوا به أبواب بيوتهم، لأن الله نفسه قال: ‘‘ويكون لكم الدم علامةً على البيوت التي أنتم فيها. فأرى الدم وأعبر عنكم.’’ (خر 13:12)

وهكذا، خرج في تلك الليلة كل أسباط إسرائيل من مصر. فقد كانت ليلة الفصح هذه، ليلة فرحٍ عظيمٍ لهم. تأمل في هذا عزيزي المستمع. فلمئات من السنين، أساء المصريون معاملة بني إسرائيل، واضطهدوهم بأعمال شاقة، حتى لم يتبقَّ لهم أي سعادةٍ في الحياة. إلا أنهم قد صاروا الآن أحراراً. ففي ليلة الفصح هذه، خلصهم الرب! إنكسرت أغلال عبوديتهم. والآن، قد وعدهم الله أن يقودهم في البرية، ويرجع بهم إلى أرض كنعان، الأرض التي ـ كما تعلمون ـ قد حلف الرب من قبل أن يعطيها لنسل إبراهيم وإسحق ويعقوب. كانت كنعان هي الأرض التي عاش فيها يعقوب وأبناوه قبل أن يرحلوا إلى مصر ليعيشوا مع يوسف. واليوم، تُدعى هذه الأرض فلسطين أو إسرائيل.

واليوم، سندرس معاً القصة المدهشة التي تحكي لنا كيف خلص الله بني إسرائيل من جيوش فرعون. ومعظم قراءاتنا اليوم ستكون من الأصحاح الرابع عشر من سفر الخروج.
دعونا نسمع معاً القصة التي سجلها النبي موسى في التوراة. يقول الكتاب:
‘‘فارتحل بنو إسرائيل من رعمسيس إلى سكوت نحو ست مئة الف ماشٍ من الرجال عدا الأولاد. وصعد معهم لفيفٌ كثيرٌ أيضاً مع غنمٍ وبقرٍ ومواشٍ وافرةٍ جداً.’’ (خر 27:12-18)
‘‘وأخذ موسى عظام يوسف معه. لأنه كان استحلف بني إسرائيل بحلفٍ قائلاً: إن الله سيفتقدكم، فتُصعِدون عظامي من هنا معكم .. وكان الرب يسير أمامهم نهاراً في عمود سحابٍ ليهديهم في الطريق، وليلاً في عمود نارٍ ليضيءَ لهم. لكي يمشوا نهاراً وليلاً. لم يبرح عمود السحاب نهاراً وعمود النار ليلاً، من أمام الشعب.’’ (خر 19:13-22)
وكلم الرب موسى قائلاً: كلم بني إسرائيل أن يرجعوا وينزلوا .. عند البحر. فيقول فرعون عن بني إسرائيل: هم مرتبكون في الأرض. قد استغلق عليهم القفر. وأشدد قلب فرعون حتى يسعى وراءهم. فأتمجد بفرعون وبجميع جيشه. ويعرف المصريون أني أنا الرب. ففعلوا هكذا.
فلما أُخبر ملك مصر أن الشعب قد هرب، تغيَّر قلب فرعون وعبيده على الشعب. فقالوا: ماذا فعلنا حتى أطلقنا إسرائيل من خدمتنا. فشدَّ مركبته، وأخذ قومه معه. وأخذ ست مئة مركبةٍ منتخبةٍ، وسائر مركبات مصر، وجنوداً مركبيَّةً على جميعها.’’(خر 1:14-7)
‘‘فسعى المصريون وراءهم، وأدركوهم. جميع خيل مركبات فرعون وفرسانه وجيشه، وهم نازلون عند البحر .. فلما اقترب فرعون، رفع بنو إسرائيل عيونهم، وإذا المصريون راحلون وراءهم. ففزعوا جداً، وصرخ بنو إسرائيل إلى الرب. وقالوا لموسى: هل لأنه ليست قبورٌ في مصر، أخذتنا لنموت في البرية. ماذا صنعت بنا حتى أخرجتنا من مصر. أليس هذا هو الكلام الذي كلمناك به في مصر قائلين: كف عنا فنخدم المصريين. لأنه خيرٌ لنا أن نخدم المصريين من أن نموت في البريةِ.’’ (خر 9:14:12)

ماذا كان يقول شعب بني إسرائيل في البرية؟ لماذا كانوا لا يثقون في الله؟ ألم يكن الله الذي خلصهم من العبودية، قادراً أن يخلصهم من قوات فرعون؟ بالطبع كان قادراً أن يفعل ذلك. إلا أن بني إسرائيل لم يستطيعوا أن يفكروا في ذلك، لأنهم كانوا مرعوبين. فالبحر كان أمامهم، والجبال كانت على يمينهم ويسارهم، وقوات فرعون كانت وراءهم تبغي أسرهم أو حتى قتلهم. فما الذي كان يجب عليهم أن يفعلوه؟ وما الذي كان يمكنهم أن يفعلوه؟ كيف كان يمكن أن يخلصوا؟ دعونا نسمع لما قاله موسى، ولما فعله الله. يقول الكتاب:
‘‘فقال موسى للشعب: لا تخافوا. قفوا وانظروا خلاص الرب الذي يصنعه لكم اليوم. فإنه كما رأيتم المصريين اليوم، لا تعودون ترونهم أيضاً إلى الأبد. الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون. فقال الرب لموسى: ما لك تصرخ إليَّ. قل لبني إسرائيل أن يرحلوا. وارفع أنت عصاك، ومد يدك على البحر وشُقَّهُ. فيدخل بني إسرائيل في وسط البحر على اليابسةِ. وها أنا أشدد قلوب المصريين حتى يدخلوا وراءهم. فأتمجد بفرعون وكل جيشه بمركباته وفرسانه. فيعرف المصريون اني أنا الرب .. فانتقل ملاك الله السائر أمام عسكر إسرائيل، وسار وراءهم. وانتقل عمود السحاب من أمامهم، ووقف وراءهم. فدخل بين عسكر المصريين وعسكر إسرائيل، وصار السحاب والظلام، وأضاء الليل. فلم يقترب هذا إلى ذاك كل الليل.
ومد موسى يده على البحر. فأجرى الرب البحر بريحٍ شرقيةٍ شديدةٍ كل الليل، وجعل البحر يابسةً وانشقَّ الماء. فدخل بنو إسرائيل في وسط البحر على اليابسة، والماء سورٌ لهم عن يمينهم وعن يسارهم. وتبعهم المصريون، ودخلوا وراءهم جميع خيل فرعون ومركباته وفرسانه إلى وسط البحر. وكان في هزيع الصبح، أن الرب أشرف على عسكر المصريين في عمود النار والسحاب، وأزعج عسكر المصريين. وخلع بكر مركباتهم حتى ساقوها بثقلةٍ. فقال المصريون: نهرب من إسرائيل. لأن الرب يقاتل المصريين عنهم. فقال الرب لموسى: مد يدك على البحر ليرجع الماء على المصريين على مركباتهم وفرسانهم. فمد موسى يده على البحر، فرجع البحر عند إقبال الصبح إلى حاله الدائمة، والمصريون هاربون إلى لقائه. فدفع الرب المصريين في وسط البحر. فرجع الماء، وغطى مركبات وفرسان جميع جيش فرعون الذي دخل وراءهم في البحر. ولم يبق منهم ولا واحد. وأما بنو إسرائيل فمشوا على اليابسه في وسط البحر، والماء سورٌ لهم عن يمينهم وعن يسارهم. فخلص الرب في ذلك اليوم إسرائيل من يد المصريين. ونظر أسرائيل المصريين أمواتاً على شاطئ البحر. ورأى إسرائيل الفعل العظيم الذي صنعه الرب بالمصريين. فخاف الشعب الرب، وآمنوا بالرب وبعبده موسى.’’ (خر 13:14-31)

‘‘حينئذٍ رنم موسى وبنو إسرائيل هذه التسبيحة للرب وقالوا: أرنم للرب فإنه قد تعظم .. الرب قوتي ونشيدي. وقد صار خلاصي. هذا إلهي فأمجده. إله أبي فأُرفّعهُ.’’ (خر 1:15-2) وهكذا، بدأوا يرنمون للرب، ويشكرونه من أجل الخلاص العظيم الذي صنعه لهم. وأخذت مريم، أخت موسى وهرون، دُفَّاً بيدها، وخرجت جميع النساء وراءها بدفوف ورقص. وأخذت مريم ترنم ترنيمة تقول كلماتها: ‘‘رنموا للرب فإنه قد تعظم. الفرس وراكبَهُ طرحهما في البحر.’’ (خر 21:15)
أصدقائي المستمعين ..
هذه هي القصة الحقيقية والعجيبة عن كيف شق الله طريقاً في البحر لبني إسرائيل. والآن، كيف يمكننا أن نختم درسنا اليوم؟ ربما عن طريق سؤال بسيط. وهذا هو السؤال: من الذي استطاع أن يخلص بني إسرائيل من قوات فرعون؟ هل استطاعوا أن يخلصوا أنفسهم؟ لقد رأينا كيف كان البحر أمامهم، والجبال عن يمينهم ويسارهم، وقوات فرعون خلفهم. فهل كان في مقدورهم أن يخلصوا أنفسهم؟ هل كان في مقدورهم أن يجففوا البحر؟ أو أن يزيلوا الجبال؟ أو يحاربوا قوات فرعون؟ لا، فلم يكن في مقدورهم أن يفعلوا هذا. فمن إذن كان يمكنه أن يخلصهم؟ إنه الله وحده. فلم يكن هناك غير الله وحده الذي كان يمكنه أن يخلصهم. ولهذا، قال موسى لهم: ‘‘لا تخافوا. قفوا وانظروا خلاص الرب الذي يصنعه لكم اليوم.’’ فلم يكن غير الله الذي كان يمكنه أن يخلِّصهم. وقد خلَّصهم بالفعل. ولهذا، بعد أن وصلوا إلى الجانب الآخر من البحر، أخذوا يغنون للرب قائلين: ‘‘الرب قوتي ونشيدي. وقد صار خلاصي. هذا إلهي فأمجده. إله أبي فأُرفّعهُ.’’ (خر 1:15-2)

لقد أصبح الله نفسه هو خلاصهم. فلم يكن هناك ما يمكن لبني إسرائيل أن يفعلوه ليخلصوا أنفسهم من قوات فرعون. .. لا شيء البتة، سوى أن يتبعوا الطريق الذي فتحه لهم الله في وسط البحر، ثم يشكرونه ويعبدونه لأنه قد خلصهم من الموت.

أصدقائي المستمعين..
إن الله يريد أن يعرف كل إنسان أن نسل آدم هم مثل بني إسرائيل. فنحن مثلهم، ليس لنا رجاء في الخلاص من الكارثة التي ستقع علينا، إلا إذا خلَّصنا الله. وربما ليس هناك بحر أمامنا، ولكن الموت والجحيم ينتظراننا. وربما ليس هناك جبال على جانبينا، ولكن قداسة الله تحيطنا من كل جانب، وتديننا. إن قوات فرعون بالتأكيد ليست وراءنا، ولكن الشيطان والخطية هما فوقنا ويهددوننا بالموت الأبدي.

فمن يستطيع أن يخلص نسل آدم من دينونة الله البارة؟ ومن يستطيع أن يخلص الخاطيء من النار التي لا تُطفَأ؟ ومن يستطيع أن يخلِّص الإنسان من قوة الشيطان؟ ومن يستطيع أن يخلصنا من كل هذا؟ ومن يستطيع أن يأتي بنا إلى الجانب الآخر من بحر الخطية، ويأتي بنا إلى المكان المقدس الذي يُدعىَ الفردوس؟
إنه الله .. والله وحده. فالله وحده هو الذي يستطيع أن يخلصنا. فالإنسان ليس لديه أي احتمال أن يخلِّص نفسه أو يخلص شخصاً آخر. هذا هو ما يعلنه الكتاب: ‘لأنكم بالنعمة مُخلَّصون بالإيمان وذلك ليس منكم. هو عطية الله. ليس من أعمال كيلا يفتخر أحدٌ.’’ (أف 8:2-9)

إن الله، الذي هو عظيم الرحمة، قد فتح طريقاً للخلاص لكل نسل آدم، ليخلصنا من قوة الشيطان والخطية والجحيم. إن الله يريدنا أن نهرب من دينونة النار المتقدة التي تنتظر كل من يموت في خطاياه. ولكن، يجب علينا أن نأتي من خلال طريق الخلاص الذي فتحه لنا الله بنفسه. فهل تعرف طريق الخلاص الذي فتحه لك الله، كيما تستطيع أن تتحرر من قوة الشيطان، ونتائج الخطية الشنيعة، وعقاب الجحيم؟ هل أنت في طريق البر الذي أسسه الله، حتى تكون مباركاً في محضره المقدس إلى الأبد؟

إن طريق الخلاص الذي فتحه الله لنسل آدم، ليس مبنياً على الأعمال الصالحة، التي يستطيع أن يقوم بها الإنسان. ولا مبني على اتِّباع متطلبات الدين. إذ يقول الله: ‘‘ليس من أعمال كيلا يفتخر أحدٌ.’’ (اف 8:2-9) فما هو طريق الخلاص الذي أسسه الله؟ إنه طريق الفادي، الذي جاء من السماء لكي يموت نيابة عنا، ثم يقوم ليحرر كل من آمن به منا. نحن الذين كنا مثل العبيد، بسبب قوة الخطية والخوف من الموت. إن الكتاب المقدس يتكلم عن المخلص الجبار قائلاً: ‘‘وليس بأحدٍ غيره الخلاص. لأنه ليس اسمٌ آخر تحت السماء قد أُعطيَ بين الناس به ينبغي أن نخلص.’’ (أع 12:4)

نعم، لقد فتح الله لكم طريقاً في بحر الخطية، كيما تستطيعون أن تهربوا من عقاب الخطية، وتنتقلون إلى الجانب الآخر، إلى محضر الله المقدس الآمن. وفيما يتعلق بطريق الخلاص، يقول الفادي:
‘‘أنا هو الطريق والحق والحيوة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي .. الحق الحق أقول لكم: إن من يسمع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني، فله حيوةٌ أبديةٌ، ولا يأتي إلى دينونةٍ، بل انتقل من الموت إلى الحيوة.’’ (يو 6:14 ؛ 24:5)
أصدقائي المستمعين .. هل عبرتم من الموت إلى الحياة؟
نشكركم على كريم إصغائكم. وفي حلقتنا القادمة، سنرى كيف أطعم الله بني إسرائيل في الصحراء.
وليبارككم الله وأنتم تتأملون في كلمة موسى لبني إسرائيل:
‘‘لا تخافوا. قفوا وانظروا خلاص الرب الذي يصنعه لكم اليوم.’’ (خر 13:14)
ـــــــــــــــــ

 

 الدرس الخامس والثلاثون | فهرس دراسات طريق البِرّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية