39
الوصـايا المكسـورة
 

خروج 32
أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البر الذي أسسه ، وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدم لكم حلقة أخرى من برنامجكم ‘طريق البر’.

رأينا في حلقاتنا الثلاث السابقة، كيف تكلم الله مع شعب إسرائيل من جبل سيناء، في نارٍ ورعودٍ وبروق، وأعطاهم وصاياه العشر المقدسة. ورأينا أيضاً، كيف أوصى الله شعب إسرائيل أن يقيموا مذبحاً أسفل جبل سيناء، ويقدموا عليه ذبائح حيوانية بلا عيب.

ولكن لماذا أمر الله بهذه الذبائح الحيوانية؟ لقد أمر الله بها لأنه بار، وناموسه المقدس يعلن: ‘‘أن من حفظ كل الناموس، وإنما عثر في واحدة، فقد صار مجرماً في الكل.’’ (يع 10:2) فكل من يكسر ناموس الله فقد أخطأ .. وأجرة الخطية كما تعلمون، هي موت. (يو 4:3؛ رو 23:6) وحيث أن بني إسرائيل لم يقدروا أن يحفظوا كل الوصايا العشر، فقد كان عليهم أن يقدموا إلى الله ذبائح بلا عيب، كيما يموت الحيوان البديل عوضاً عن الإنسان الخاطئ. إذ تُهدَر حياة الحيوان، فلا يضطر الخاطئ أن يهدر حياته هو. وبهذه الطريقة يثبت الله أنه بار، وأنه لا يمكنه أن يتسامح مع الخطية بناءً على أعمال الإنسان الشخصية. فالله لا يستطيع أن يغفر الخطية إلا على أساس ذبيحة كاملة.

ودرسنا اليوم يُدعى ‘‘الوصايا المكسورة’’. وعند هذه النقطة من قصة النبي موسى وأسباط إسرائيل، مازال الشعب يعسكر أمام جبل سيناء في البرية. دعونا الآن نرجع إلى التوراة، لنرى ماذا حدث بعدما أعطاهم الله الوصايا العشر. ونقرأ من الأصحاح الرابع والعشرين من سفر الخروج. تقول كلمة الله:
‘‘وقال الرب لموسى: اصعد إلى الجبل، وكن هناك. فأعطيك لوحي الحجارة، والشريعة والوصية التي كتبتها لتعليمهم. فقام موسى ويشوع خادمه، وصعد موسى إلى جبل الله. وأما الشيوخ فقال لهم: اجلسوا لنا ههنا، حتى نرجع إليكم. وهوذا هرون وحور معكم. فمن كان صاحب دعوى، فليتقدم إليهما. فصعد موسى إلى الجبل، فغطَّى السحاب الجبل. وحلَّ مجد الرب على جبل سيناء، وغطَّاه السحاب ستة أيام. وفي اليوم السابع، دُعِيَ موسى من وسط السحاب. وكان منظر مجد الرب كنار آكلة على رأس الجبل أمام عيون بني إسرائيل. فدخل موسى في وسط السحاب، وصعد إلى الجبل. وكان موسى في الجبل أربعين نهاراً وأربعين ليلة.’’ (خر 12:24-18)

دعونا نتوقف هنا. وفي حلقتنا القادمة بإذن الله، سنتعلم ما أخبر به الله موسى على جبل سيناء أثناء هذه الأربعين يومٍ. إلا أننا سنرى اليوم، ما حدث لشعب إسرائيل الذي كان في المحلة (أي المعسكر) في أسفل الجبل، ينتظرون رجوع موسى. وكلنا يعلم أن انتظار الله بصبر ليس بالشيء السهل على نسل آدم. فمن الأسهل جداً لنا أن نستسلم، وننسى كلمة الله، ونذهب في طرقنا الخاصة. وهكذا، ما سنقرأه الآن عن شعب إسرائيل، هو في غاية الأهمية لنا. إذ يريد الله أن يوجه لنا تحذيراته من خلال هذه القصة القوية.

ونقرأ في الأصحاح الثاني والثلاثين ما هو آتٍ:
‘‘ولما رأى الشعب أن موسى أبطأ في النزول من الجبل، اجتمع الشعب على هرون، وقالوا له: قم، اصنع لنا آلهة تسير أمامنا. لأن هذا موسى الرجل الذي أصعدنا من أرض مصر، لا نعلم ماذا أصابه. فقال لهم هرون: انزعوا أقراط الذهب التي في آذان نسائكم وبنيكم وبناتكم، وأتوني بها. فنزع كل الشعب أقراط الذهب التي في آذانهم، واتوا بها إلى هرون. فأخذ ذلك من أيديهم، وصوره بالإزميل، وصنعه عجلاً مسبوكاً. فقالوا: هذه آلهتك يا إسرائيل، التي أصعدتك من أرض مصر.’’ (خر 1:32-4)

هل ترى ما كان يفعله شعب إسرائيل؟ فمنذ زمن قريب كانوا يقولون: ‘‘كل ما أمر به الرب، إياه نفعل’’. والآن نراهم يكسرون الوصية الأولى والثانية من الوصايا التي قد أعطاهم الله لهم للتو على جبل سيناء! فلقد قال لهم الله:
الوصية الأولى: ‘‘لا تكن لكم آلهة أخرى أمامي’’. وقال في الوصية الثانية: ‘‘لا تصنع لك تمثالاً منحوتاً’’! ولكن ما الذي فعله شعب إسرائيل؟ لقد أعطوا ظهورهم لله، وصنعوا لأنفسهم تمثالاً منحوتاً على شكل عجل، مثل الأوثان التي كانوا قد رأوها في مصر.

ولكن لماذا أعطى الشعب ظهره لله ولكلمته بهذه السرعة؟ ذلك لأنهم أرادوا إلهاً يستطيعون رؤيته ولمسه. فلقد كانوا مثل أناس اليوم، الذين يختارون أن يتجاهلوا كلمة الله، ويتبعوا الإنسان وتقاليده. فاتِّباع الإنسان الذي تراه العين، هو أسهل من اتِّباع الله الذي لا يُرَى. ولذلك، استبدل معظم نسل آدم كلمة الله الحقيقية، بأفكار الإنسان التي ليس لها أساس من الحق.

دعونا نرى الآن ما قد حدث بعد أن صنع شعب إسرائيل لأنفسهم عجلاً من الذهب. تقول كلمة الله:
‘‘فلما نظر هرون، بنى مذبحاً أمامه. ونادى هرون وقال: غداً عيد للرب. فبكَّروا في الغد، وأصعدوا محرقات، وقدَّموا ذبائح سلامة. وجلس الشعب للأكل والشرب، ثم قاموا للَّعب.’’ (خر 5:32 ،6)

هل سمعتَ بما فعله هرون؟ يقول الكتاب: أنه ‘‘بنى مذبحاً أمام العجل. ونادى هرون وقال: غداً عيدٌ للرب.’’ فهل كان ذلك هو الحق؟ هل كان الشعب يستطيع أن يعبد الله بهذه الطريقة؟ بالتأكيد لا! فنحن نعلم أن الله لم يكن له أي دور في احتفال العبادة هذا الذي كانوا يرتبونه. أما الآن فلم يكسروا فقط الوصية الأولى والثانية، بل أيضاً الوصية الثالثة التي تقول: ‘‘لا تنظق باسم الرب إلهك باطلاً’’. فلقد كانوا يرددون بأفواههم قائلين: ‘‘الرب الإله .. الله.. الله..!’’، أما قلوبهم فقد كانت بعيدة تماماً عن الله. لقد كانت عبادتهم باطلة، وكان كلامهم عن الله بلا قيمة. وكانت صلواتهم مجرد إنحناءات كثيرة لا معنى لها، ليس لها إلا أن تُغضِب الله!

والآن دعونا نكمل قصتنا؛ إذ تقول كلمة الله:
‘‘فقال الرب لموسى: اذهب انزل. لأنه قد فسد شعبك الذي أصعدته من أرض مصر. زاغوا سريعاً عن الطريق الذي أوصيتهم به. صنعوا لهم عجلاً مسبوكاً، وسجدوا له، وذبحوا له، وقالوا: هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر. وقال الرب لموسى: رأيت هذا الشعب، وإذا هو شعبٌ صلبُ الرقبة. فالآن، اتركني فيحمى غضبي عليهم وأفنيهم. فأصيِّرُك شعباً عظيماً. فتضرَّع موسى أمام الرب إلهه. وقال: لماذا يارب يحمى غضبك على شعبك الذي أخرجته من أرض مصر بقوة عظيمة ويد شديدة. لماذا يتكلم المصريون قائلين: أخرجهم بخبث ليقتلهم في الجبال، ويفنيهم عن وجه الأرض. ارجع عن حمو غضبك، واندم على الشر بشعبك. واذكر إبراهيم وإسحق وإسرائيل عبيدك الذين حلفت لهم بنفسك، وقلت لهم: أكثِّر نسلكم كنجوم السماء، وأعطي نسلكم كل هذه الأرض التي تكلمت عنها، فيملكونها إلى الأبد. فندم الرب على الشر الذي قال إنه يفعله بشعبه. فانصرف موسى، ونزل من الجبل، ولوحا الشهادة في يده. لوحان مكتوبان على جانبيهما، من هنا ومن هنا كانا مكتوبين. واللوحان هما صنعة الله، والكتابة كتابة الله، منقوشة على اللوحين. وسمع يشوع صوت الشعب في هتافه، فقال لموسى: صوت قتال في المحلة. فقال موسى: ليس صوت صياح النصرة، ولا صوت صياح الكسرة؛ بل صوت غناء أنا سامع.
وكان عندما اقترب إلى المحلة، أنه أبصر العجل والرقص. فحمي غضب موسى، وطرح اللوحين من يديه، وكسرهما في أسفل الجبل. ثم أخذ العجل الذي صنعوه، وأحرقه بالنار، وطحنه حتى صار ناعماً، وذرَّاه على وجه الماء، وسقى بني إسرائيل. وقال موسى لهرون: ماذا صنع بك هذا الشعب حتى جلبت عليه خطية عظيمة. فقال هرون: لا يحمى غضب سيدي. أنت تعرف الشعب أنه في شر. فقالوا لي: اصنع لنا آلهة تسير أمامنا. لأن هذا موسى الرجل الذي أصعدنا من أرض مصر، لا نعلم ماذا أصابه. فقلت لهم: من له ذهب، فلينزعه، ويعطني. فطرحته في النار، فخرج هذا العجل. ولما رأى موسى الشعب أنه معرَّى، لأن هرون كان قد عراه للهزء بين مقاوميه، وقف موسى على باب المحلة. وقال: من للرب فإليَّ. فاجتمع إليه جميع بني لاوي. فقال لهم: هكذا قال الرب إله إسرائيل: دعوا كل واحد سيفه على فخذه، ومرُّوا وارجعوا من باب إلى باب في المحلة، واقتلوا كلُّ واحدٍ أخاه، وكلُّ واحدٍ صاحبه، وكلُّ واحدٍ قريبه. ففعل بنو لاوي بحسب قول موسى. ووقع من الشعب في ذلك اليوم، نحو ثلاثة ألاف رجل .. وضرب الرب الشعب، لأنهم صنعوا العجل الذي صنعه هرون.’’ (خر 7:32-35)

وبعد هذا، قال الرب لموسى أن ينحت لوحين من الحجر بدلاً من اللوحين الذين كسرهما. وفي هذين اللوحين، كتب الرب الوصايا التي كان شعب إسرائيل قد كسرها للتو. ويالها من خطية عظيمة، تلك التي اقترفها الشعب! لقد كسروا ناموس الله المقدس الكامل. وكشف قلب الإنسان الشرير نفسه مرة أخرى. فبالرغم من كل ما فعله الرب لشعب إسرائيل، نرى كيف ترك الشعب بسرعة طريق البر الذي أسسه الله. لقد اختاروا أن يتبعوا طريقاً أخر، ليخلقوا لأنفسهم ديانتهم الخاصة بهم. لقد اختاروا طريق أعمال أيديهم، وأولوا ظهورهم للطريق الذي أسسه الله، وتهللوا بدين اختاروه لأنفسهم. كان اسم الله على شفاههم، لكن قلوبهم مبتعدة عنه بعيداً. ولهذا، ذهبوا إلى حد أن يصنعوا لأنفسهم عجلاً مسبوكاً، متلذذين بعمل أيديهم، ومحولين ظهورهم لله الحي الحقيقي.

فما الذي يريد الله أن يعلمه إيانا في هذه القصة المُصدِمة؟ إن الله يريدنا أن نتأمل أين نقف في علاقتنا معه. وربما هناك من يفكرون قائلين: ‘‘إننا لسنا مثل شعب إسرائيل، ولم نولي ظهورنا لله عابدين وثناً.’’ ولكن، أنت يا من تفكر بهذه الطريقة، هل أنت متأكد تماماً من أنك لم تعبد قط وثناً؟ ربما لم تتخذ لنفسك وثناً مسبوكاً. إلا أن الوثن ليس محدوداً بنحت تمثال لعبادته. إن الوثن هو كل ما يقف بيننا وبين الله. فقد يكون المال، أو الملبس، أو الجنس، أو كرة القدم، أو التليفزيون، أو الذات نفسها، أو شخصاً أخر مثلك، أو تقاليد آبائك. والبعض يتعلق بأوثان التعويذات والتمائم والأحجبة. والبعض الآخر، أوثانهم هي إلتزاماتهم الدينية؛ إذ يضعوا كل تركيزهم على الصوم والصلاة بدلاً من الاستماع لكلمة الله! فأي شيء يحل محل الله وحقه، هو وثن.

عزيزي المستمع ..
.. من هو إلهك؟
.. من تعبد حقاً: الرب الإله، أم وثن؟
.. هل اسم الله هو فقط على شفتيك، أم هو في داخل قلبك؟
هناك شيئاً يميِّز هؤلاء الذين يعبدون الله حقاً، من الذين يعبدون الأوثان. إنه كلمة الله. ما هو موقفك من كلمة الله الحقيقية؟ هل تعرف كلمة الله؟ هل تؤمن بها؟ هل تحبها من كل قلبك؟ أم أنك مثل شعب إسرائيل الذي قال عنه الله: ‘‘يقترب إليَّ هذا الشعب بفمه، ويكرمني بشفتيه، وأما قلبه فمبتعدٌ عني بعيداً. وباطلاً يعبدونني، وهم يعلِّمون تعاليم هي وصايا الناس.’’ (مت 8:15 ،9)

فماذا عنك أنت عزيزي المستمع؟
من تعبد حقاً؟ أتعبد الرب الإله الذي أعطى ناموسه البار لموسى؟
هل تؤمن بكلمته، أم أنك تضع رجاءك علي طريق أعمالك التدينية الشخصية، مثلما فعل شعب إسرائيل؟
ومهما كانت حالتك، يقول الكتاب: ‘‘فهذه الأمور جميعها أصابتهم مثالاً، وكتبت لإنذارنا نحن. .. لذلك يا أحبائي، اهربوا من عبادة الأوثان. أقول كما للحكماء.’’ (1كو 11:10، 14، 15) ويقول أيضاً: ‘‘وأما الخائفون وغير المؤمنين والرجسون والقاتلون والزناة والسحرة وعبدة الأوثان وجميع الكذبة، فنصيبهم في البحيرة المتقدة بنار وكبريت.’’ (رؤ 8:21) وايضاً يقول الكتاب: ‘‘إنا كنا نقبل شهادة الناس، فشهادة الله أعظم، لأن هذه هي شهادة الله التي قد شهد بها عن الفادي .. ونعلم أنه قد جاء وأعطانا بصيرة لنعرف الحق .. أيها الأولاد، احفظوا أنفسكم من الأصنام.’’ (1يو 29:5 ، 21)

أصدقائي المستمعين ..
نشكركم على حسن استماعكم. وفي حلقتنا المقبلة بإذن الله، سندرس معاً الخطة غير العادية التي وضعها الله، كيما يسكن بين شعب إسرائيل الخاطئ دون المساس ببره وعدله.

فليبارككم الله، وانتم تتذكرون ذلك التحذير المهم من كلمة الله، والذي يقول:
‘‘أيها الأولاد، احفظوا أنفسكم من الأصنام.’’ (1يو 21:5)

ـــــــــــ
 

 الدرس الأربعون | فهرس دراسات طريق البِرّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية