42
الحية النحاسـية

عدد 20،21

أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البر الذي أسسه ، وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدم لكم حلقة أخرى من برنامجكم ‘طريق البر’.

في الحلقة السابقة، وفي الجزء الرابع من كتاب التوراة، في سفر العدد، رأينا كيف وصل شعب إسرائيل عند حدود كنعان، الأرض التي وعد الله بها إبراهيم وإسحق ويعقوب ونسلهم. لقد كان الله يخطط أن يطرد العمالقة الأشرار الذين كانوا يسكنون هذه الأرض، ويسلم كل شيء في أيدي شعب إسرائيل. إلا أن معظم شعب إسرائيل كان خائفاً من العمالقة، فلم يصدقوا وعد الله أنه سيعطيهم أرض كنعان.

ومن ثمَّ، نقرأ كيف أدان الله شعب إسرائيل بسبب عدم إيمانهم. إذ قال لهم:
‘‘لن تدخلوا الأرض التي رفعت يدي لأُسكننكُّم فيها ما عدا كالب .. ويشوع .. لأن لهما روحاً آخر، ويتبعانني من كل قلبيهما، ونسلهما سيرث الأرض. وأما أطفالكم الذين قلتم يكونون غنيمةً، فإني سأدخِلهم، فيعرفون الأرض التي احتقرتموها. فجثثكم أنتم تسقط في هذا القفر.’’ (عد30:14-32)

وما يجب أن نفهمه، هو أن الله كان يريد أن يبارك شعب إسرائيل بركة كبيرة، إلا أنه لم يستطع أن يباركهم؛ بسبب عدم إيمانهم. وبسبب أنهم لم يصدقوا ما وعدهم به الله، حكم الله على الشعب بالجولان في البرية لمدة اربعين سنة، حتى يفنى كل من لم يصدقوه، من ابن عشرين سنة فصاعداً.
والآن دعونا نستمر في قراءة سفر العدد، لنرى ما الذي حدث في نهاية الأربعين سنة التي قضاها الشعب في البرية بسبب عدم إيمانهم. يقول الكتاب في الأصحاح العشرين:
‘‘(وبعد أن سارت جماعة شعب إسرائيل في البرية لمدة أربعين سنة) أتى بنو إسرائيل الجماعة كلها إلى برّيَّة صين في الشهر الأول، وأقام الشعب في قادش (أي في المكان الذي رفض فيه الشعب أول مرة أن يصدق الله، ويدخل أرض كنعان التي وعدهم بها)، وماتت هناك مريم (أخت موسى الكبرى)، ودُفِنَت هناك.
‘‘ولم يكن ماءٌ للجماعة فاجتمعوا على موسى وهرون. وخاصم الشعب موسى (أي تشاجروا معه) وكلموه قائلين: ليتنا فنينا فناء إخوتنا أمام الرب. لماذا أتيتما بجماعة الرب إلى هذه البريَّةِ لكي نموت فيها نحن ومواشينا؟ ولماذا أصعدتمانا من مصر لتأتيا بنا إلى هذا المكان الرديء؟ ليس هو مكان زرعٍ وتينٍ وكرمٍ ورمانٍ، ولا فيه ماءٌ للشرب.’’ (عد 1:20-5)

اتسمعون ما كان يقوله شعب إسرائيل؟
بعد كل ما صنعه الله من أجلهم ومن أجل آبائهم في مصر وفي البرية، هل كانت قلوبهم مليئة بالشكر والثقة؟ لا! بل كانوا يفعلون تماماً كما فعل آباؤهم قديماً. كانوا متذمرين! طبعاً، فقد كانوا منهكين من البرية. ولكن كان ينبغي عليهم أن يتذكروا أن هذا كان بسبب عدم إيمانهم، الذي بسببه أيضاً لم يدخلوا أرض كنعان. حقاً؛ فلم يكن لدي الشعب ماء. ولكن، لماذا لم يصلوا لله عندئذٍ؟ الله، الذي اعتنى بهم في البرية الحارقة لمدة أربعين سنة، ألم يكن قادراً أن يعطيهم ماءً؟ بالطبع، كان يقدر! لقد أراد الله أن يمدهم بكل احتياجاتهم! وبالرغم من ذلك، لم يثق بنو إسرائيل ثقة كاملة في الرب إلههم.

دعونا نستمر في القراءة؛ لنرى ما حدث. يقول الكتاب:
‘‘فأتى موسى وهرون من أمام الجماعة إلى باب خيمة الاجتماع، وسقطا على وجهيهما. فتراءى لهما مجد الربِّ. وكلم الرب موسى قائلاً: خذ العصى واجمع الجماعةَ أنت وهرون أخوك، وكلما الصخرة أمام أعينهم أن تعطي ماءها. فتُخرِج ماءً من الصخرة، وتسقي الجماعة ومواشيهم.
فأخذ موسى العصا من أمام الرب كما أمره. وجمع موسى وهرون الجمهور أمام الصخرة فقال لهم: اسمعوا أيها الردة. أمن هذه الصخرة نُخرِج لكم ماءً؟ ورفع موسى يده، وضرب الصخرة بعصاه مرتين، فخرج ماءٌ غزيرٌ، فشربت الجماعة ومواشيها. فقال الرب لموسى وهرون: من أجل أنكما لم تؤمنا بي حتى تُقَدِّساني أمام أعين بني إسرائيل، لذلك لا تُدخِلان هذه الجماعة إلى الأرض التي أعطيهم إياها.’’ (عد 6:20-12)

هل فهمتم ما حدث؟
ما الذي أمر به الله موسى أن يفعله كيما تحصل جماعة بني إسرائيل على ماء للشرب؟ لقد قال: ‘‘كلما الصخرة ..!’’ فهل أطاع موسى الله وكلم الصخرة؟ لا! ففي غضبه، ضرب موسى الصخرة مرتين. إلا أن هذا لم يمنع الله، في صلاحه، من أن يجعل الصخرة تُخرِج ماءً. ألا ان ما فعله موسى أغضب الله. ولهذا، عاقبه الله قائلاً: ‘‘ من أجل أنكما لم تؤمنا بي حتى تُقَدِّساني أمام أعين بني إسرائيل، لذلك لاتُدخِلان هذه الجماعة إلى الأرض التي أعطيهم إياها.’’

وربما نعتقد أن العقاب الذي أوقعه الله بموسى كان عقاباً أشد من اللازم. إلا أنه علينا أن نتذكر أن ما يرضي الله هو الإيمان بكلمته، وطاعتها. فالله لا يستطيع أن يقبل أي شيء ضد كلمته، حتى ولو أتى من النبي موسى!

إن الله ليس عنده محاباة ..
فقد كان موسى نبياً عظيماً، إلا أنه كان إنساناً مثل جميعنا. ومن ثم، فقد كان خاطئاً مثل كل نسل آدم. حتى نبي الله موسى، لم يستطع أن يخلص نفسه عن طريق أعماله الحسنة. ومثل جميع نسل آدم، كان به عيوب، ولم يتمم كل بر. كان على النبي موسى، شأنه شأن كل بني إسرائيل، أن يأتي إلى الله بواسطة طريق الخلاص الذي أسسه الله، طريق دم الذبيحة. ومن خلال خطية موسى، يريد الله أن يذكرنا أن ‘‘الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله’’. جميعنا مذنبون أمام الله. جميعنا أخطانا. ليس باراً، ليس ولا واحد! ليس هناك من لم يحد عن طريق الله، إلا المخلِّص الكامل البر، الذي أتى من السماء، ليخلص الخطاة!

ومع استمرارنا في قراءة قصة بني إسرائيل، نقرأ في نهاية الأصحاح العشرين، كيف مات هارون، أخو موسى الأكبر، على جبل يدعى ‘‘هور’’، وناح عليه هناك كل جماعة بني إسرائيل لمدة أربعين يوماً وأربعين ليلة.

ثم يقول الكتاب بعد ذلك، في الأصحاح الحادي والعشرين:
‘‘وارتحلوا من جبل هورٍ، في طريق بحر سوفٍ، ليدوروا بأرض أدوم، فضاقت نفس الشعب في الطريق. وتكلم الشعب على الله وعلى موسى قائلين: لماذا أصعدتمانا من مصر لنموت في البرية، لأنه لاخبزَ ولا ماءَ، وقد كَرِهت أنفسنا الطعام السخيف.’’
‘‘فأرسل الرب على الشعب الحيات المحرِقةَ، فلدغت الشعب، فمات قومٌ كثيرون من إسرائيل. فأتى الشعب إلى موسى، وقالوا: قد أخطأنا إذ تكلمنا على الرب وعليك، فصلِّ إلى الرب ليرفع عنا الحيات. فصلى موسى لأجل الشعب. فقال الرب لموسى: اصنع لك حيَّةً مُحرِقَةً، وضعها على رايةٍ، فكل من لُدِغَ ونظر أليها، يحيا. فصنع موسى حيَّةً من نحاسٍ ووضعها على راية، فكان متى لدغت حيةٌ إنساناً ونظر إلى حيَّة النحاس، يحيا.’’ (عد 4:21-9)

دعونا نتأمل في تلك القصة العجيبة!
لماذا أرسل الله حيات سامة بين بني إسرائيل؟ لقد أرسل هذه الحيات بسبب خطيتهم. فلقد رأينا كيف تكلموا على الله وعلى موسى، واحتقروا الطعام الذي أنزله الله لهم. ولهذا، أرسل الله حيات سامة لتلدغهم، وتميت الكثيرين منهم.

ولكن، ما الذي استطاع بني إسرائيل أن يفعلوه ليهربوا من الموت؟ هل استطاعوا أن ينجُّوا أنفسهم من وبأ الحيات؟ هل استطاعوا أن يشفوا أنفسهم من السم القاتل؟ مستحيل! ماذا كان يمكنهم أن يفعلوا إذن؟ لقد صرخوا لله! وهذا هو ما فعلوه. رأينا كيف تاب بنو إسرائيل، وذهبوا إلى موسى قائلين: ‘‘قد أخطأنا إذ تكلمنا على الرب وعليك، فصلِّ إلى الرب ليرفع عنا الحيات!’’

فهل رفع الله عنهم الحيات؟ لا، بل فعل ما هو أفضل من ذلك! قال الله لموسى أن يصنع حية من النحاس، ويرفعها على عمود، حتى ‘‘متى لدغت حيةٌ إنساناً ونظر إلى حيَّة النحاس، يحيا’’. كان هذا هو علاج الله. فإذا لدغت حية إنساناً، فكل ما كان عليه أن يفعله هو أن ينظر إلى الحية النحاسية المرفوعة على العمود، فيشفى! فلقد كانت هذه هي الطريقة التي دبرها الله: ‘‘أنظر، واحيا!’’

لقد وعد الله أن يشفي كل من ينظر إلى حية النحاس التي رفعها موسى على العمود. فما الذي حدث عندئذ، لهؤلاء اللذين رفضوا أن ينظروا إلى الحية النحاسية؟ لقد ماتوا موتاً أليماً. ولكن، كل من آمن بالله، ونظر إلى الحية النحاسية، خلص من الموت، لأن الله وعدهم قائلاً: ‘‘فكل من لُدِغَ، ونظر إليها، يحيا’’.

حقاً، إن هذه لقصة مدهشة!
.. ولكنها أكثر من مجرد مدهشة. إنها قصة كُتِبَت لتعليمنا. لقد أراد الله أن يوضِّح لنا، أن جميعنا مثل بني إسرائيل. نحن أيضاً خطاة. ولهذا، كثيراً ما نتذمر على الله والإنسان، ونهين الله في أفكارنا وكلامنا وأعمالنا. والشيطان مثل الحيات السامة التي كانت تلدغ بني إسرائيل. والخطية مثل السم الذي كان يقتلهم. لقد لدغ الشيطان جميع نسل آدم، وسم الخطية سيجعلنا جميعاً نهلك، إلا إذا منحنا الله العلاج الشافي! إن أجرة الخطية هي الهلاك في النار الأبدية، وليس لدينا في ذواتنا وسيلة للهروب. إلا أننا نمجد الله لأنه تماماً، كما وضع خطة ليخلِّص بني إسرائيل من سم الحيات، وضع أيضاً خطة ليخلِّص بني آدم من سم الخطية!

وأنتم يا من تسمعون اليوم ..
هل تعرفون ما الذي فعله الله ليخلصكم من لعنة الخطية؟ اسمعوا لما قاله المخلص القدوس، بعد نحو ألف وخمسمئة عام من بعد أن رفع موسى الحية النحاسية في البرية. قال: ‘‘وكما رفع موسى الحية في البرية، هكذا ينبغي أن يُرفَع ابن الإنسان (مخلص العالم)، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية.’’ (يو 14:3-15)

ومن هذا العدد من الإنجيل، نتعلم أن الحية النحاسية التي رفعها موسى في البرية، لم تكن إلا رمزاً للمخلِّص الذي كان ليأتي ويموت على الصليب، كيما يهزم الشيطان الذي له قوة الموت. (عب 14:2) آه، يا لها من رسالة رائعة! وكما سنكتشف في الحلقات القادمة، أنه من خلال موت المخلص وقيامته، فتح الله لنسل آدم باباً للخلاص والسلام والفرح إلى الأبد! كل ما يريده الله منك هو أن تُقِرَّ أنك لا تستطيع أن تخلِّص نفسك من قوة الخطية، وتصدق بقلبك ما شهد به الله من جهة المخلِّص الذي مات على الصليب، ليدفع بالنيابة عنك دين خطيتك. يقول الله: ‘‘انظر للمخلِّص الفادي، فتحيا!’’ آمن به، فيشفيك الله من سم الخطية، ويحفظ لك مسكناً أبدياً في محضره في السماء!



أصدقائي المستمعين .. رجالاً ونساء .. كباراً وصغار .. أغنياءَ وفقراء ..
إن الله يقول لكل منكم: أنظر واحيا! أنظر للمخلِّص العظيم الذي أرسله الله، فتخلص! إلا أن الله يقول أيضاً: ‘‘إن رفضت أن تنظر، وإن لم تؤمن بالمخلِّص الذي قدم الله من خلاله الشفاء الوحيد للخطية، فعندئذٍ ‘‘ستموت في خطيتك’’. (يو 24:8) إن ناموس الله البار يعلن أن كل من لا يقبل العلاج الذي قدَّمه، فسيهلك. إن الله ليس لديه أي علاج آخر، يمكن عن طريقه لنسل آدم أن يشفوا من سم الخطية.

عزيزي المستمع ..
هل نظرت للمخلِّص الذي كتب عنه جميع الأنبياء؟ إن هذا المخلِّص سيطهرك ويعطيك حياة أبدية، إن وضعت ثقتك فيه وحده بكل بساطة. اسمع مرة أخرى لما يقوله الكتاب:
‘‘وكما رفع موسى الحية في البرية، هكذا ينبغي أن يرفع ابن الإنسان (فادي العالم)، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية.’’ (يو 14:3-15)

أعزائي المستمعين ..
انتهى وقتنا اليوم ..
نشكركم على حسن استماعكم. وفي الحلقة القادمة بإذن الله، سندرس معاً الكلمات الأخيرة في قصة النبي موسى، وهكذا نكمل دراستنا في التوراة المقدسة.

فليبارككم الله وأنتم تتأملون في وعده الذي يقول:
‘‘التفتوا إليَّ، واخلصوا.’’ (أش 22:45)

ـــــــــــــ
 

الدرس الثالث والأربعون | فهرس دراسات طريق البِرّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية