45
القضـاة وراعـوث

سفر القضاة وسفر وراعوث

أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البر الذي أسسه ، وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدم لكم حلقة أخرى من برنامجكم ‘طريق البر’.

اليوم، وفي النصف الثاني من حلقتنا، نود أن نتعرض معكم إلى ‘‘قصة حب’’ مؤثرة، مسجلة في الكتاب المقدس. فابقوا معنا حتى النهاية!
في حلقتنا الأخيرة، رأينا كيف قاد يشوع، خادم موسى، شعب إسرائيل إلى كنعان. وقرأنا كيف سار الله أمام يشوع وشعب إسرائيل، ليطرد أعداءهم، ويدخلهم في أرض كنعان الغنية، تماماً كما وعد جدهم إبراهيم قبل ذلك بزمن بعيد. واليوم، نود النظر في السفرين المقدسين اللذين يليان سفر يشوع؛ وهما سفري القضاة وراعوث. ويوضح لنا هذان السفران ما حدث في الآونة مابين زمن النبي يشوع، وزمن النبي داود.

وقبل أن ندخل في سفر القضاة، ينبغي أن نقرأ الرسالة التي عهد بها يشوع إلى شعب إسرائيل، قبل موته. وفي الأصحاح الأخير من سفر يشوع، اجتمع يشوع مع جميع قادة شعب إسرائيل، ليحذرهم ويشجعهم على محبة وطاعة الرب إلههم، الذي حررهم من عبودية مصر، وأعطاهم الأرض الجميلة التي يعيشون فيها الآن. وفي خطبته الأخيرة لهم، قال لهم يشوع:
‘‘وإن ساءَ في أعيُنِكُم أن تعبدوا الربَّ، فاختاروا لأنفسكم اليوم من تعبدون: إن كان الآلهةَ الذين عبدهم آباؤكم الذين في عبر النهر، وإن كان آلهة الأموريين الذين أنتم ساكنون في أرضِهِم. وأما أنا وبيتي، فنعبد الربَّ. فأجاب الشعب وقالوا: حاشا لنا أن نترك الربَّ لنعبد آلهةً أُخرى.’’ (يش15:24،18)
والآن دعونا نبحث ما حدث بالفعل. في سفر القضاة والأصحاح الثاني، يقول الكتاب:
‘‘وعبد الشعب الرَّبَّ كل أيام يشوع، وكل أيام الشيوخ الذين طالت أيامهم بعد يشوع، الذين رأوا كل عمل الرب العظيم الذي عمل لإسرائيل. ومات يشوع .. عبد الرب أبن مئةٍ وعشر سنين. فدفنوه .. في جبل أفرايم .. وكل ذلك الجيل أيضاً انضمَّ إلى آبائه، وقام بعدهم جيلٌ آخر لم يعرف الرَّبَّ ولا العمل الذي عمل لإسرائيل. وفعل بنو إسرائيل الشر في عيني الرب، وعبدوا البَعْليم. وتركوا الرب إله آبائهم الذي أخرجهم من أرض مصر، وساروا وراء آلهةٍ أخرى من آلهةِ الشعوب الذين حولهم، وسجدوا لها، وأغاظوا الرَّبَّ. تركوا الرب، وعبدوا البعل وعشتاروث.’’ (قض7:2-13)

وهكذا، نسى بنو إسرائيل الرب إلههم، وأداروا له ظهورهم، وبدأوا يتبعون ديانات الأمم الذين حولهم. إلا أن هؤلاء الأمم لم يعرفوا الإله الحقيقي، ولم يكن لديهم كلمته. لقد كانوا يعبدون ‘‘البعل’’. و‘البعل’ هو وثنٌ، كان أهل كنعان يعتبرونه الله. لقد صنعوا لأنفسهم تماثيل تصوِّر ‘البعل’، وعبدوها. وكان الأمم الذين يسبِّحون البعل، يظنون أنهم يعبدون الله. ولكنهم في الحقيقة، كانوا يعبدون الشيطان ورغباتهم الشخصية. إلا أنهم لم يدركوا ذلك، لأن الشيطان قد خدعهم. ولقد خدع الشيطان أيضاً الكثير من بني إسرائيل. ولهذا، تحولوا عن الرب إلههم، وبدأوا يعبدون البعل مثلما فعل الأمم الذين حولهم.

وهكذا، نرى كيف أدار معظم شعب إسرائيل ظهورهم إلى الطريق الذي أسسه الله، طريق ناموس موسى، والذبائح الحيوانية التي تُقدَّم على المذبح للتكفير عن الخطية. فبدلاً من اتِّباع طريق الله للبر، اتَّبعوا الطريق المزيف، طريق ديانة البعل. إن أول وصية في الوصايا العشر التي أعطاها الله لموسى على جبل سيناء، تقول:
‘‘لا يكن لك آلهةٌ اخرى أمامي .. لأني أنا الرَّبَّ إلهك إلهٌ غيورٌ، أفتقد ذنوب الآباءِ في الأبناء، في الجيل الثالث والرابع من مبغضىَّ. وأصنع إحساناً إلى أُلوفٍ من محبيَّ وحافظي وصايايَ.’’ (خر3:20 ،5 ،6)

إلا أن معظم شعب إسرائيل لم يكرموا الرب الإله، ولهذا، عاقبهم الله.

وتكميلاً لقراءتنا في الأصحاح الثاني من سفر القضاة، يقول الكتاب:
‘‘وفَعَلَ بنو إسرائيل الشَّرَّ في عينيّ الرب، وعبدوا البَعْليم .. فحميَ غضبُ الرب على إسرائيل، فدفعهم بأيدي ناهبين، نهبوهم وباعوهم بيد أعدائهم حولهم، ولم يقدروا بعد على الوقوف أمام أعدائهم. حيثما خرجوا، كانت يد الرَّبِ عليهم للشر، كما تكلَّم الرب وكما أقسم الربُّ لهم. فضاق بهم الأمر جداً.’’ (قض11:2 ، 14 ،15)

وهكذا، يحكي لنا سفر القضاة مرة أخرى، كيف قسَّى بنو إسرائيل قلوبهم، وتحولوا عن الرب مرات ومرات. ولهذا، أسلمهم الله في يد أعدائهم مرة بعد الأخرى، ليعاقبوهم، كيما يعترفوا بخطاياهم، ويتوبوا ويخلصوا من الهلاك. فكل مرة كان يتوب فيها بنو إسرائيل، كان الله يقيم لهم قادة أو ‘‘قضاة’’، ليخلصوهم من أعدائهم. ونود أن نخبركم عن هؤلاء الأبطال أمثال ‘‘جدعون’’، الذي هزم جيشاً كبيراً وقوياً بثلاثمئة رجل فقط؛ و‘‘شمشون’’ الذي بيديه العاريتين تغلَّب على ألف جندي. إلا أن الوقت لا يسعنا أن نفعل ذلك. وربما تستطيعون أن تقرأوا بأنفسكم قصصهم المثيرة في سفر القضاة.

وباختصار، يرينا سفر القضاة أن في كل مرة زاغ فيها شعب إسرائيل عن الله وعن كلمته، كان الرب يعاقبهم، كيما يرجعوا عن خطاياهم، ويعودوا إليه. وعندما كانوا يتوبون، كان الله يقيم لهم قائداً، ليخلِّصهم من أعدائهم. هذه هي قصة سفر القضاة باختصار.

نعم، لقد تعدّى شعب إسرائيل على الله مرة بعد الأخرى. ولكن، هل استطاعت عدم أمانتهم أن تعوق أمانة الله؟ أبداً! حقاً، لقد عاقب الله كل فرد أخطأ، ولكنه حافظ على أمة إسرائيل ككل، لأن الله لا يستطيع أن ينسى ما وعد به إبراهيم قبل زمن بعيد، عندما قال له: ‘‘ويتبارك في نسلك جميع شعوب الأرض’’. لقد خطط الله أن يجعل من نسل إبراهيم أمة يأتي منها مخلِّص العالم. ولا شيء كان يستطيع أن يعوق الله عن خطته العجيبة: لا خطية شعب إسرائيل، ولا فرعون، ولا شعب مصر، ولا شعب كنعان، ولا ديانة مزيفة مثل ديانة البعل، ولا حتى الشيطان نفسه! لا شيء كان يستطيع أن يعوق خطة الله لإرسال مخلِّص العالم من خلال أمة إسرائيل!

والآن، لابد لنا أن ننظر في السفر القصير الذي يلي سفر القضاة، ألا وهو سفر ‘‘راعوث’’.
إن قصة هذا السفر لقصة رائعة. إنه مثل زهرة جميلة تنبت وسط كومٍ من القمامة التي تفوح رائحتها الكريهة. ذلك، لأنه يحكي لنا قصة امرأة أحبت الله وسط جيلٍ معوجٍ وساقط!

ولا نستطيع أن نقرأ كل سفر ‘راعوث’ اليوم، ولكن يمكننا أن نلخصه لكم. وما يلزم علينا أن نعرفه أولاً، هو أن راعوث كانت أرملة، وأنها لم تكن تنتمي إلى شعب إسرائيل. لقد كانت تنتمي لشعب موآب، وكانت تعيش في أرض موآب، وهي الأرض التي كانت تقع جنوب أرض إسرائيل. أيضاً، لابد وان تعرفوا أن شعب موآب كانوا يعبدون الأوثان، ويحتقرون إله إسرائيل وشعبها.

كانت راعوث تنتمي إلى شعب موآب، إلا أن هذا لم يجعلها تحتقر إله إسرائيل. لا، بل في الحقيقة كانت راعوث تؤمن بإله إسرائيل من كل قلبها. كانت راعوث قد سمعت كيف صنع الرب الإله معجزات رهيبة عندما خلَّص جموع شعب إسرائيل من أيدي المصريين. أيضاً، كانت راعوث قد سمعت كلمات النبي موسى الصادقة التي كان قد كتبها في التوراة، والتي تختص بطريق الخلاص الذي أسسه الله. لقد كانت راعوث تؤمن بالله من كل قلبها، وقبلت رسالته التي أرسلها لشعب إسرائيل.

إذن، ما ينبغي أن نلاحظه فيما يخص راعوث هو الآتي: أنها عاشت في موآب بين عابدي الوثن. وأن والدي راعوث كانوا وثنيين. وأن راعوث وُلِدَت في هذه الديانة. ولكن، راعوث عندئذٍ، لم تعد تؤمن بديانة أبيها. وأن إله إسرائيل هو الإله الذي كانت تؤمن به راعوث. وهكذا، نرى أن راعوث كان عليها أن تختار، وأن الإختيار لم يكن سهلاً! فهل ينبغي أن تظل راعوث في بيت أبيها، وتستمر في ديانته، وتتزوج رجلاً لا يعرف إله إسرائيل؟ أم ينبغي أن تحول ظهرها لبيت أبيها وديانته، وترحل إلى إسرائيل؟ كان هذا إختياراً صعباً عليها.

وقبل ان نكتشف أي طريق أخذته راعوث، لابد أن نعرف أيضاً أن راعوث كان لها سِلْفَة اسمها ‘‘عُرْفَة’’. ومثل راعوث، عرفت عُرْفَة أيضاً عن إله إسرائيل. وهكذا، كان على سلفة راعوث أن تختار بين الاستمرار في ديانة أبيها، أو اتِّباع الرب إله إبراهيم وإسحق ويعقوب.

فأي طريق اختارته راعوث وعرفة؟ اختارت عرفة الطريق الأسهل، أي أن تبقى في بيت أبيها، وتتزوج رجلاً له نفس ديانة أبيها. أما راعوث، فاختارت الطريق الأصعب، أي أن تترك بيت أبيها، وترحل إلى أرض إسرائيل. لقد عرفت راعوث أن لا أحد يستطيع أن يعبد إلهين. فالمرء لا يستطيع أن يمزج بين عبادة الله، وعبادة أوثان موآب. ولهذا، أدارت راعوث ظهرها لديانة أبيها. وقررت راعوث أنه من الأفضل أن تطيع الله، عن أن تطيع الإنسان. كانت راعوث راضية أن يُساء فهمُها من قِبَل أقاربها وأصدقائها، كيما تتبع الله الحي الحقيقي. وهكذا، تركت راعوث بيت أبيها، ورحلت إلى أرض إسرائيل، لبلدةٍ صغيرةٍ تُدعى ‘‘بيت لحم’’.

وكان هناك رجل في بيت لحم يُدعَى ‘‘بوعز’’. وكان بوعز إبن راحاب، المرأة التي نجت من الكارثة التي وقعت على مدينة أريحا، كما عرفنا في الحلقة السابقة. وكان بوعز رجلاً باراً، وكان يقدِّس كلمة الله. وكان له ثروةٌ كبيرةٌ، وحقولُ حبوبٍ كثيرةٍ، ولكنه لم يكن لديه زوجةٌ بعد.

ويحكي لنا الكتاب المقدس، كيف أن راعوث، التي كانت تعيش عندئذٍ في مدينة بيت لحم، كانت عادتها الخروج مبكراً كل صباح لتلتقط الشعير الذي يتساقط من الحصَّادين. وكانت راعوث فلاحة فقيرة. وطبقاً للناموس الذي أعطاه الله لموسى من أجل شعب إسرائيل، كان الفقير مسموح له أن يلتقط فضلات الحصاد بهذه الطريقة، كي لا يجوع. وهكذا يخبرنا الكتاب، كيف قاد الله راعوث لتذهب وتلتقط في حقل بوعز ابن راحاب.

ولاحظ بوعز راعوث وهي تلتقط في حقله، وتكلَّم معها. وأدرك بوعز في الحال، جمال شخصية راعوث، ودثامة خلقها. كان بوعز رجلاً صالحاً، وكذلك كانت راعوث امرأة فاضلة. هل يمكنك أن تستنتج ما حدث؟ إنه ليس بالشيء الصعب! نعم، لقد وقع كل من بوعز وراعوث في حب بعضهما البعض، وتزوجا في النهاية. ولكن راعوث وضعت الله وكلمته أولاً في حياتها، وباركها الله من أجل ذلك. وهكذا، يقول الكتاب أن بوعز وراعوث أنجبا ابناً وأسمياه ‘‘عوبيد’’. وأنجب عوبيد ‘‘يسَّى’’، وأنجب يسَّى ‘‘داود’’، الذي أصبح الملك العظيم لشعب إسرائيل، والنبي الذي كتب الكثير من المزامير. ومن نسل داود، جاء المخلِّص، الذي هو مخلِّص العالم، والذي تنبأ عنه جميع الأنبياء.

وهكذا نرى اليوم، كيف عمل الله في حياة راعوث، وهي امراة لا تنتمي لشعب إسرائيل. فبينما تحوَّل بنو إسرائيل عن الرب إلههم، ليتبعوا ديانات الأمم الذين حولهم، تحوَّلت راعوث عن ديانة أبيها لتتبع إله إسرائيل! وهكذا، قاد الله راعوث لتحيا في بيت لحم، وتتزوج بوعز، وتصبح جدة داود، ملك إسرائيل. وفي كل هذا، نستطيع أن نرى كيف كان الله يتقدم في تنفيذ خطته، ليأتيَ بالفادي المخَلِّص إلى العالم؛ لأن المخَلِّص كان مُقدَّراً له أن يولَد من نسل داود، وفي مدينة بيت لحم.

وهكذا نأتي إلى نهاية حلقة اليوم. وفي الحلقة القادمة بإذن الله، سنأتي إلى السفر الذي يحكي لنا قصة النبي داود، الذي وُلِد في بيت لحم، وانحدر من نسل راعوث وبوعز.

صديقي المستمع ..
دعنا نودعك اليوم بسؤال: يا ترى من تشبه أنت أكثر؟ هل أنت مثل ‘‘عُرْفَة’’ سلفة راعوث، التي اختارت الطريق السهل؟ أم أنك مثل راعوث الشجاعة، التي تحولت عن ديانة أبيها، لتتبع الله الحي الواحد؟

أصدقائي المستمعين ..
فليبارككم الله وأنتم تتذكرون ما قاله النبي يشوع لشعب إسرائيل قبل أن يموت، إذ قال:
‘‘فاختاروا لأنفسكم اليوم من تعبدون .. أما أنا وبيتي فنعبد الربَّ.’’ (يش15:24)

ــــــــــــــ
 

الدرس السادس والأربعون| فهرس دراسات طريق البِرّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية