72
خبـز الحيـاة

مرقس 6 ؛ يوحنا 6

أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البر الذي أسسه ، وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدم لكم حلقة أخرى من برنامجكم ‘طريق البر’.

في حلقتنا السابقة، رأينا الرب يسوع وهو يتحدَّث إلى الجموع. إذ كان يقدِّم تعاليمه في صورة أمثالٍ مملوءةٍ بالحق الإلهي. إلا أن معظم الناس لم يستطيعوا إدراك معنى تلك الأمثال؛ وذلك لأن قلوبهم كانت قاسية. إذ كانوا لا يقدِّرون أمور السماء، بل أمور الأرض. ولم يتبع معظمهم يسوع؛ لأنه كان مخلِّص الخطاة. ولكنهم رافقوه فقط، من أجل المنافع المادية التي كانوا يتلقَّونها منه..!

واليوم، سنسمع المزيد من كلمات الرب يسوع. وسنرى أيضاً كيف أكَّد كلامه بصنع آيةٍ معجزية. واسم درسنا اليوم هو ‘‘خبز الحياة’’، .. أي الخبز الذي يعطي الحياة!

والآن، دعونا نستمر في قراءة الكتاب المقدس، من إنجيل مرقس، والأصحاح السادس.
يقول الكتاب:
‘‘واجتمع الرسل حول يسوع .. فقال لهم: تعالوا أنتم منفردين إلى موضعٍ خلاء، واستريحوا قليلاً. لأن القادمين والذاهبين كانوا كثيرين. ولم تتيسَّر لهم فرصة للأكل. فمضوا في السفينة إلى موضعٍ خلاء منفردين. فرآهم الجموع منطلقين، وعرفه كثيرون. فتراكضوا إلى هناك من جميع المدن مشاةً، وسبقوهم واجتمعوا إليه. فلما خرج يسوع، رأى جمعاً كثيراً. فتحنَّن عليهم، إذ كانوا كخراف لا راعي لها. فابتدأ يعلِّمهم كثيراً.

‘‘وبعد ساعات كثيرة، تقدَّم إليه تلاميذه قائلين: الموضع خلاء، والوقت مضى. أصرفهم لكي يمضوا إلى الضياع والقرى حوالينا، ويبتاعوا لهم خبزاً؛ لأن ليس عندهم ما يأكلون. فأجاب وقال لهم: أعطوهم أنتم ليأكلوا! فقالوا له: أنَمضي ونبتاع خبزاً بمئتي دينار، ونعطيهم ليأكلوا؟ فقال لهم: كم رغيفٍ عندكم؟ اذهبوا وانظروا! ولما علموا، قالوا: خمسة وسمكتان. فأمرهم أن يجعلوا الجميع يتكئون رفاقاً رفاقاً على العشب الأخضر. فاتكأوا صفوفاً صفوفاً، مئة مئة، وخمسين خمسين.

‘‘فأخذ الأرغفة الخمسة والسمكتين، ورفع نظره نحو السماء وبارك. ثم كسر الأرغفة واعطى تلاميذه ليقدِّموا إليهم. وقسَّم السمكتين للجميع. فأكل الجميع وشبعوا. ثم رفعوا من الكِسَر اثنتي عشرة قفة مملوءة، ومن السمك. وكان الذين أكلوا من الأرغفة نحو خمسة آلاف رجل. وللوقت ألزم تلاميذه أن يدخلوا السفينة، ويسبقوا إلى العبر، إلى بيت صيدا، حتى يكون قد صرف الجمع. وبعد ما ودَّعهم، مضى إلى الجبل ليصلِّي.

‘‘ولما صار المساء، كانت السفينة في وسط البحر، وهو على البَرِّ وحده. ورآهم معذبين في الجذف. لأن الريح كانت ضدهم. ونحو الهزيع الرابع من الليل، أتاهم ماشياً على البحر، وأراد أن يتجاوزهم. فلما رأوه ماشياً على البحر، ظنُّوه خيالاً، فصرخوا. لأن الجميع رأوه واضطربوا. فللوقت كلَّمهم وقال لهم: ثقوا، أنا هو؛ لا تخافوا! فصعد إليهم إلى السفينة، فسكتت الريح. فبُهِتوا وتعجَّبوا في أنفسهم جداً إلى الغاية؛ لأنهم لم يفهموا بالأرغفة، إذ كانت قلوبهم غليظة. فلما عبروا، جاءوا إلى أرض جَنِّيسارَت، وأرسَوا.’’
(مر 30:6-53)

‘‘وفي الغد، لما رأى الجمع الذين كانوا واقفين في عبر البحر أنه لم تكن هناك سفينة أخرى سوى واحدة، وهي تلك التي دخلها تلاميذه، وأن يسوع لم يدخل السفينة مع تلاميذه بل مضى تلاميذه وحدهم .. فلما رأى الجمع أن يسوع ليس هو هناك ولا تلاميذه، دخلوا هم أيضاً السفن، وجاءوا .. يطلبون يسوع. ولما وجدوه في عبر البحر، قالوا له: يا معلم، متى صرت هنا؟ فأجابهم يسوع وقال: الحق الحق أقول لكم، أنتم تطلبونني ليس لأنكم رأيتم آيات، بل لأنكم أكلتم من الخبز فشبعتم. اعملوا لا للطعام البائد، بل للطعام الباقي للحياة الأبدية الذي يعطيكم ابن الإنسان، لأن هذا الله الآب قد خَتَمَه.’’
(يو 22:6، 24-27)

أصدقائي المستمعين ..
دعونا نتوقف هنا لبرهة، ونسأل أنفسنا لماذا قال يسوع للجمع: ‘‘اعملوا لا للطعام البائد’’؟ هل يعني هذا أننا لا ينبغي أن نعمل لكي نأكل؟
.. لا، إن هذا ليس هو المعنى؛ لأن كلمة الله تقول أيضاً: ‘‘إن كان أحد لا يريد أن يشتغل، فلا يأكل أيضاً.’’ (2تس 10:3)

فلماذا إذن قال يسوع: ‘‘اعملوا لا للطعام البائد’’؟
.. إن ما قصد أن يقوله يسوع هو: إنكم إن عملتم فقط من أجل بطونكم، ولم تطلبوا إلا أمور العالم، فسوف ينتهي بكم الأمر بأن تخسروا كل شيء؛ لأن جسدكم سيموت ويعود للتراب. إلا أن هناك شيئاً في كيانكم لن يهلك. إنه روحكم. فستبقى روح الإنسان للأبد، إما في المكان الممجَّد الذي يُدعى ‘‘السماء’’، أو في المكان المرعب الذي يُدعى ‘‘جهنم’’. ولذلك قال يسوع: ‘‘اعملوا لا للطعام البائد، بل للطعام الباقي للحياة الأبدية!’’
وهكذا حذَّر يسوع الجموع؛ لكي لا يطلبون الطعام البائد، بل يطلبون كلمة الله التي لا تسقط أبداً. وذلك، لأنه ‘‘ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله.’’ (مت 4:4) .. هذا هو ما قاله الرب يسوع!

ولكن للأسف، فإن معظم من أحاطوا بيسوع لم يكونوا يهتمون بكلمة الله، ولا كانوا يؤمنون بالذي أرسله الله! فقد كان امتلاء بطونهم بالطعام أهم كثيراً لديهم من امتلاء قلوبهم بالحق الذي يستطيع أن يخلِّصهم من دينونة الله.

ولذلك قال لهم يسوع:
‘‘اعملوا لا للطعام البائد، بل للطعام الباقي للحياة الأبدية .. فقالوا له: ماذا نفعل حتى نعمل أعمال الله؟ فأجاب يسوع وقال لهم: هذا هو عمل الله، أن تؤمنوا بالذي هو أرسله.’’
(يو 27:6-29)

هل سمعتم إجابة يسوع؟
.. كيف يستطيع ابن آدم، الذي حُبِل به بالخطية، أن يُرضِي الله؟
.. هل نقدر أن نعمل أعمالاً أو ننجز أموراً تُرضِي الله وتسرُّه؟
.. هل يمكننا بطريقة ما، أن نخلِّص أنفسنا من قوة الشيطان والخطية وجهنم؟
.. هل يمكننا أن ننشئ في أنفسنا القلب النقي الكامل الذي يطلبه الله؟
بالطبع لا؛ لا يمكن أبداً..!
.. فكيف إذن يمكن لنسل آدم أن يرضي الله؟
.. وما الذي يقوله الرب يسوع عن هذا؟
يقول يسوع: ‘‘هذا هو عمل الله، أن تؤمنوا بالذي هو أرسله.’’ فلا يستطيع أي إنسان أن يبدأ في إرضاء الله قبل أن يؤمن بالمخلِّص القدُّوس الذي أرسله الله.

ولكن، للأسف، كان معظم الجمع لا يصدِّق أن يسوع هو المخلِّص الذي أرسله الله. ولهذا، قالوا له:
‘‘ .. فأي آيةٍ تصنع لنرى ونؤمن بك؟ ماذا تعمل؟ آباؤنا أكلوا المنَّ في البرية كما هو مكتوب أنه أعطاهم خبزاً من السماء ليأكلوا.
.. فقال لهم يسوع: الحق الحق أقول لكم، ليس موسى أعطاكم الخبز من السماء، بل أبي يعطيكم الخبز الحقيقي من السماء. لأن خبز الله هو النازل من السماء الواهب الحياة للعالم.
.. فقالوا له: يا سيد، أعطنا في كل حين هذا الخبز.
.. فقال لهم يسوع: أنا هو خبز الحياة. من يقبل إليَّ فلا يجوع، ومن يؤمن بي فلا يعطش أبداً.’’ (يو 30:6-35)

وبهذه الكلمات، كان يسوع يقول لهم أنه كما أرسل الله من السماء طعاماً لشعب إسرائيل لمدة أربعين عاماً؛ لكي لا يموتون في البرية. كذلك أرسل الله لكل نسل آدم ‘‘الطعام’’ الذي يعطي الحياة الأبدية، لكي لا نهلك في خطايانا!

ولكن، أين هذا ‘‘الطعام’’؟ هل هناك طعام على الأرض إذا أكلته تستطيع أن تحيا في حضرة الله للأبد؟ .. لا، لا يوجد!
إذاً، ما هو هذا ‘‘الطعام’’ الذي يعطي حياة أبدية؟ ما الذي يقوله الرب يسوع؟

قال يسوع:
‘‘أنا هو خبز الحياة. من يُقبل إليَّ فلا يجوع، ومن يؤمن بي فلا يعطش أبداً. ولكني قلت لكم أنكم رأيتموني، ولستم تؤمنون. كل ما يعطيني الآب فإليّ يقبل، ومن يقبل إليَّ لا أخرجه خارجاً. .. لأن هذه هي مشيئة الذي أرسلني، أن كل من يرى الإبن ويؤمن به، تكون له حياة أبدية، وأنا أقيمه في اليوم الأخير.
‘‘وهنا بدأ اليهود يتذمَّرون عليه؛ لأنه قال: أنا هو الخبز الذي نزل من السماء. وقالوا: اليس هذا هو يسوع بن يوسف الذي نحن عارفون بأبيه وأمه؟ فكيف يقول هذا إني نزلت من السماء؟
‘‘فأجاب يسوع وقال لهم: لا تتذمَّروا فيما بينكم. .. كل من سمع من الآب وتعلَّم، يقبل إليَّ. ليس أحدٌ رأى الآب إلا الذي من الله؛ هذا قد رأى الآب. الحق الحق أقول لكم: من يؤمن بي فله حياة أبدية. أنا هو خبز الحياة. آباؤكم أكلوا المنَّ في البرية، وماتوا. هذا هو الخبز النازل من السماء؛ لكي يأكل منه الإنسان ولا يموت. أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء. إن أكل أحدٌ من هذا الخبز؛ يحيا إلى الأبد.
‘‘فقال كثيرون من تلاميذه إذ سمعوا: إن هذا الكلام صعب. من يقدر أن يسمعه؟ فعلم يسوع في نفسه أن تلاميذه يتذمرون على هذا، فقال لهم: أهذا يعثركم؟ فماذا إن رأيتم ابن الإنسان صاعداً إلى حيث كان أولاً؟ الروح هو الذي يحيي، أما الجسد فلا يفيد شيئاً. الكلام الذي أكلمكم به، هو روح وحياة. ولكن منكم قومٌ لا يؤمنون. (لأن يسوع من البدء علم من هم الذين لا يؤمنون، ومن هو الذي يسلِّمه) ..

‘‘من هذا الوقت، رجع كثيرون من تلاميذه إلى الوراء، ولم يعودوا يمشون معه. فقال يسوع للإثنى عشر: ألعلَّكم أنتم أيضاً تريدون أن تمضوا؟ فاجابه سمعان بطرس: يا رب، إلى من نذهب؟ كلام الحياة الأبدية عندك. ونحن قد آمنَّا وعرفنا أنك أنت المسيح ابن الله الحي.’’
(يو 35:6-69)

وهكذا، رجع كثيرٌ من التلاميذ إلى الوراء، ولم يعودوا يرافقون يسوع؛ بسبب تعاليمه الصعبة. إلا أن من بين هؤلاء الذين تبعوه، كان هناك بعضاً منهم لم يتركوه؛ لأنهم كانوا مقتنعين أن يسوع هو المسيَّا، القدوس الذي من الله، خبز الحياة، ‘‘الخبز الحقيقي’’ الذي يعطي حياة أبدية!
نعم، هذه هي الحقيقة. فبمجرَّد أن تعرف من هو يسوع، وما فعل من أجلك، لن تقنع أبداً بسيِّدٍ آخر! فيسوع هو المصدر الوحيد للحياة الأبدية. هو وحده الذي يستطيع أن يُشبِع القلب الذي يشتاق إلى ضمان الخلاص، وإلى علاقة حميمة مع الله.

ولكن ماذا عنك أنت .. عزيزي المستمع؟
.. هل أنت جوعان وعطشان للحياة الأبدية؟
.. هل تشتاق أن يكون لك الثقة أمام الله هنا في هذه الحياة، وفي الحياة الآتية؟
إذا كنت كذلك، فلتفكر إذن في هذه الدعوة التي من الرب يسوع المسيح التي تقول:
‘‘تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال، وأنا أريحكم. .. أنا هو خبز الحياة. من يقبل إليَّ فلا يجوع، ومن يؤمن بي فلا يعطش أبداً.’’ (متى 28:11؛ يوحنا 35:6)

أصدقائي المستمعين ..
نشكركم على كريم إصغائكم! وفي الحلقة القادمة، بإذن الله، سوف نستمر في دراسة الإنجيل، ونرى كيف انقسم الجمع بسبب يسوع ..
وليبارككم الله، وأنتم تتذكرون كلمات الرب يسوع التي تقول:
‘‘أنا هو خبز الحيوة. من يقبل إليَّ فلا يجوع، ومن يؤمن بي فلا يعطش أبداً.’’
(يوحنا 35:6)
ــــــــــ

 الدرس الثالث والسبعون | فهرس دراسات طريق البِرّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية