86
يسوع يصعد إلى السماء
 

متى 28؛ لوقا 24 ؛ أعمال 1

أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البرِّ الذي أسَّسه ، وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدِّم لكم حلقة أخرى من برنامجكم ..‘‘طريق البر’’!

لقد كنَّا على مدى فترة طويلة ندرس معاً في الإنجيل المقدس. وهو الكتاب الذي يحتوي على قصة المخلِّص القدير، يسوع المسيح. وكما رأينا من قبل، أن ‘‘يسوع’’ كلمة تعني ‘‘الله يخلِّص’’. أما كلمة ‘‘المسيح’’، فهي تعني ‘‘المعيَّن من الله’’. فيسوع المسيح هو من عيَّنه الله كي يخلِّص نسل آدم من سلطان الخطية.

ومع ذلك، وكما رأينا، فإن معظم الناس لم يدركوا من هو يسوع. فالبعض اعتبروه نبيَّاً، ولم يفهموا أنه كلمة الله ذاته، الذي أتى من السماء، وظهر على الأرض كإنسان. البعض، مثل رؤساء الكهنة وحكَّام اليهود، كانوا في أشد الغيرة منه، وفي النهاية قتلوه بأنهم سلَّموه ليُصلَب. إلا أن الله خطَّط لتلك الاحداث، وكان يعرفها مسبقاً. فقد كان موت المسيَّا على الصليب متَّفقاً تماماً مع خطة الله التي أعلنها على لسان أنبيائه من قبل.
وفي حلقتنا السابقة، رأينا أن الله أقام يسوع من الأموات في اليوم الثالث. وقد برهنت قيامة يسوع على أن الله قد قبل الدم الذي سفكه يسوع، كاستيفاء كامل لدين نسل آدم، ليفديهم من قوة الخطية والخوف من الموت، وعقاب جهنم.
وبعد ما قام يسوع، رأينا كيف أنه ظهر لتلاميذه، وأراهم آثار الجروح حيث دقَّ الجند المسامير في يديه ورجليه. وقرأنا أيضاً أن يسوع أكل مع تلاميذه، ليبرهن لهم أنه حيٌّ فعلاً. ويروي لنا الإنجيل كيف ظلَّ يسوع يظهر لتلاميذه مدة أربعين يوماً، ويكلِّمهم عن ملكوت الله. وفي مرة، ظهر يسوع لأكثر من خمسمئة تلميذ في نفس الوقت. (1كو 6:15) إلا أن أعظم برهان أن يسوع حيٌّ اليوم، هو في الواقع، أنه يحيا بالروح القدس في قلوب أولئك الذين يؤمنون به، ويخضعون لسلطانه.

واليوم، بعون الله، سنسمع عن السلطان العظيم الذي أعطاه الله للرب يسوع، وسنرى كيف فارق يسوع تلاميذه، وصعد إلى السماء.
ونبدأ دراستنا اليوم من الأصحاح الأخير من إنجيل متى. يقول الكتاب:
‘‘وأما الأحد عشر تلميذاً، فانطلقوا إلى الجليل إلى الجبل حيث أمرهم يسوع. ولما رأوه، سجدوا له، ولكن بعضهم شكُّوا. فتقدَّم يسوع وكلَّمهم قائلاً: دُفِع إليَّ كل سلطان في السماء وعلى الأرض. فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمِّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس. وعلِّموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به. وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر.’’ (متى 16:28-20)

هل سمعتم ما قاله يسوع لتلاميذه؟ .. لقد قال:
.. ‘‘دُفِع إليَّ كل سلطان في السماء وعلى الأرض. فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم.’’
ولكن، لماذا قال يسوع أنه له كل السلطان في السماء والأرض؟

في دراساتنا في توراة موسى، رأينا كيف خلق الله الرجل الأول، آدم. ورأينا أن الله أعطي آدم سلطاناً على كل ما خلقه الله. إذ أراد الله أن يحيا آدم معه، ويملك معه للأبد. ولكن آدم فَقَدَ هذا السلطان في اليوم الذي عصى فيه وصية الله، وأكل من شجرة معرفة الخير والشر. وحيث أن آدم هو جدُّنا الأكبر، وحيث أن ‘‘الوبأ لا ينحصر في مصدره’’، فقد فقدنا نحن أيضاً السلطان أن نحيا ونملك مع الله. ونحن أيضاً مثل آدم، كلُّنا خطاة، مولودين في مملكة الخطية، بعيداً عن الله وجلال مجده.

ولكن مجداً لله، إذ ترينا كتابات الأنبياء أن الله وضع خطة ليفتح باباً لنسل آدم، يستطيعون من خلاله أن يعودوا إلى الله، ويكون لهم نصيبٌ في مجده وملكوته. ذلك الباب هو المسيَّا القدوس، الذي أتى من السماء ليسفك دمه كذبيحة؛ ليطهرنا من خطايانا، ويأتي بنا إلى الله.
لقد اُختُبِر يسوع المسيَّا ما اُختبره آدم، ولكن يسوع لم يخطئ. فقد كان كاملاً وقدوساً، تماماً كما أن الله كاملٌ وقدوسٌ. ولهذا السبب، لم يخجل الله أن يدعوه ‘‘ابنه’’. ومن ثم، فبعد أن قدَّم يسوع حياته كذبيحة لمحو الخطية، أقامه الله من الأموات، وجعله رب الجميع، ودفع إليه ‘‘كل سلطان في السماء وعلى الأرض!’’

وربما يتساءل البعض قائلين: ‘‘إن كان يسوع هو رب الكل، فلماذا إذاً يمتلئ عالمنا بالمشاكل والضيق والخطية؟’’ الكتاب المقدس يرد على هذا السؤال فيقول:
‘‘لأنه كما في آدم يموت الجميع، هكذا في المسيح سيُحيَا الجميع. ولكن كل واحد في رتبته: المسيح بصفته البكر، ثم الذين للمسيح عند مجيئه. وبعد ذلك تأتي النهاية، متى يسلِّم المسيح الملك لله الآب، بعد أن يكون قد أبطل كل رياسة وكل سلطان وكل قوة.’’
(1كو 22:15-24)
‘‘وسيمسح الله كل دمعة من عيونهم، والموت لا يكون فيما بعد. ولا يكون حزن، ولا صراخ، ولا وجع فيما بعد؛ لأن الأمور الأولى قد مضت.’’ (رؤيا 4:21)

ومن هذه الآيات، ومن آيات أخرى عديدة في كلمة الله، نتعلَّم أن الله قد دفع إلى يسوع كل سلطان، لكي يخضع له الكل، ويُدين الكل. إلا أن الله لم يُخضِع ليسوع كل شيء بعد، ولا أدان يسوع أناس العالم بعد. ففي يوم، سيعود يسوع إلى العالم. وعندما يعود، سوف يخضع له هذا العالم، فيجعل كل ما فيه جديداً مرة أخرى.

ولذلك، مهما كنت وأينما كنت، فإن الله يدعوك أن تتوب عن خطاياك، وترجع إليه، وتؤمن بالخبر السار عن الخلاص المؤسَّس على موت الرب يسوع المسيح وقيامته. فإن كنت تؤمن حقاً، فإن الله سيغفر لك كل خطاياك في اسم يسوع، ويجدد قلبك بقوة الروح القدس، ويعطيك سلاماً معه إلى الأبد.
إن آمنت بالمسيح، فإنه سيأتي إليك بروحه القدوس، ويؤسِّس ملكوته في قلبك. إن يسوع المسيح لن يغيِّر العالم حتى يعود بشخصه ويدينه أولاً. ولكنه يستطيع أن يغيِّرك اليوم! فهل تسمح له أن يؤسِّس ملكوته في قلبك؟

صديقي المستمع ..
إن الله قد أرسل لك مخلِّصاً يستطيع أن يمحو خطاياك، ويعطيك قلباً جديداً ونقياً. يمكنك أن تتيقَّن أنك ستقضي أبديتك مع الله في مجد الفردوس، إن صدَّقت الحق عن يسوع المسيح مخلِّص العالم! ولكن، إن أهملت المخلِّص الذي أرسله الله، فسيكون هو في النهاية ديَّانُك! وهذا هو ما يتكلَّم عنه الكتاب عندما يقول:
‘‘الرب يسوع سوف يُستَعلن من السماء مع ملائكة قوته في نارِ لهيبٍ، معطياً نقمة للذين لا يعرفون الله، والذين لا يطيعون إنجيل ربنا يسوع المسيح. الذين سيعاقَبون بهلاكٍ أبدي من وجه الرب ومن مجد قوته، متى جاء ليتمجد في قديسيه، ويُتَعجَّب منه في جميع المؤمنين.’’
(2تسالونيكي 7:1-10)

صديقي ..
إن كلمة الله واضحة جليَّة. فهي تخبرنا أن كل من يؤمن حقاً بالخبر السار عن موت يسوع المسيح على الصليب وقيامته من الأموات، سيخلص! وكل من لا يؤمن، سَيُدان! لقد سفك يسوع دمه كذبيحة تستطيع أن تمحو دين خطيتك إلى الأبد. لكن الدم الذي سفكه يسوع من أجلك، لن يكون له قيمة لك، إن لم تؤمن به في قلبك؛ لأن الكتاب يقول:
‘‘لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية .. والذي لا يؤمن، قد دِين؛ لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد.’’
(يوحنا 16:3،18)

نعم، إن آمنت بالأخبار السارة عن يسوع المسيح، ستخلص. ولكن إن لم تؤمن، فستهلك في خطاياك. تلك هي كلمة الخلاص التي أرسلها الله إلى نسل آدم. ولهذا أوصى يسوع تلاميذه، قائلاً: ‘‘دُفِع إليَّ كل سلطان في السماء وعلى الأرض. فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم.’’
(متى18:28،19)
والآن .. دعونا نكمل القصة!
لقد ظل يسوع يظهر لتلاميذه مدة أربعين يوماً بعد قيامته من الأموات. ويقول الكتاب:
‘‘وفيما هو مجتمعٌ معهم، أوصاهم قائلاً: لا تبرحوا من أورشليم، بل انتظروا موعد الآب الذي سمعتموه مني. لأن يوحنا عمَّد بالماء، وأما أنتم فستتعمدون بالروح القدس ليس بعد هذه الأيام بكثير.’’ (أعمال 4:1 ،5)

هل سمعنا ما قاله يسوع؟ لقد سمعنا سابقاً (في إنجيل يوحنا 14-16) كيف وعد يسوع تلاميذه أن أباه في السموات سيرسل لهم المعزي، الروح القدس، الذي سيحيا في قلوبهم، ويطهرهم ويجدِّدهم ويقوِّيهم، ويقودهم إلى جميع الحق. والآن، نسمعه وهو يوصي تلاميذه أن يمكثوا في أورشليم منتظرين الروح القدس الذي سيأتي. وفي حلقتنا القادمة، بإذن الله، سنرى كيف حل الروح القدس، وملأ قلوب كل التلاميذ، تماماً كما وعد يسوع.

دعونا الآن نقرأ معاً كيف فارق يسوع تلاميذه، وصعد إلى السماء. يقول الكتاب:
‘‘أما هم المجتمعون (أي تلاميذ يسوع) فسألوه قائلين: يا رب، هل في هذا الوقت تردُّ الملك إلى إسرائيل؟ فقال لهم: ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات التي جعلها الآب في سلطانه. لكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم، وتكونون لي شهوداً في أورشليم، وفي كل اليهودية والسامرة، وإلى أقصى الأرض.
‘‘ولما قال هذا، ارتفع وهم ينظرون. وأخذته سحابة عن أعينهم. وفيما كانوا يشخصون إلى السماء وهو منطلق، إذا رجلان قد وقفا بهم بلباس أبيض، وقالا: أيها الرجال الجليليون، ما بالكم واقفين تنظرون إلى السماء؟ إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء، سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقاً إلى السماء.’’ (أعمال 6:1-11)

وهكذا، صعد يسوع إلى السماء، عائداً إلى بيت أبيه الذي أتى منه قبل ذلك بثلاثة وثلاثين عاماً. كم كان فراقه عظيماً عندما صعد إلى السماء أمام أعين تلاميذه. فلم يكن هناك أي شك في أن يسوع هذا، الذي كانوا يتبعونه مدة ثلاثة الأعوام السابقة، كان هو حقاً المسيَّا، الذي تكلَّم عنه الأنبياء. ففي ميلاده وحياته وموته ودفنه وقيامته وصعوده، تمَّم يسوع الناصري كل ما تنبأ به الأنبياء عنه، بما في ذلك صعوده إلى السماء الذي تنبأ به داود النبي في المزامير.
أصدقائي ..
هل تعلمون أين هو الرب يسوع اليوم؟ إن الكتاب المقدس يخبرنا أن ‘‘يسوع المسيح .. انطلق إلى السماء، وهو الآن جالس عن يمين الله؛ وقد جُعِلَت الملائكة والسلاطين والقوات الروحية خاضعة له.’’ (1بطرس 21:3-22) نعم، إن يسوع في السماء، جالس عن يمين الله، حيث يخضع له كل المخلوقات. كل رعيَّة الله الحقيقية خاضعة للرب يسوع المسيح.
ولكن ماذا عنك أنت، يا صديقي؟ هل أخضعت نفسك ليسوع المسيَّا، الذي اختاره الله كمخلِّص العالم وديَّانه؟

لقد قرأنا الآن، أنه بعد ما صعد الرب يسوع إلى السماء، ظهر ملاكان لتلاميذه وقالا لهم:
‘‘ما بالكم واقفين تنظرون إلى السماء؟ إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء، سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقاً إلى السماء.’’
نعم، ففي يومٍ، سيجيء يسوع المسيح ثانية على السحاب. فهل أنت مستعدٌّ لمجيئه؟ ففي هذا اليوم، سينظره الجميع، وسيعرفون أنه الشخص الذي عيَّنه الله كمخلِّص العالم وديَّانه. وهذا ما يعلنه الكتاب، عندما يقول:
‘‘يسوع المسيح .. الذي، إذ كان في صورة الله، لم يحسب خُلسَة أن يكون معادلاً لله (أي لم يعتبر مساواته لله خلسة، أو غنيمة يتمسك بها). لكنه أخلى نفسه آخذاً صورة عبد، صائراً في شبه الناس. وإذ وُجِد في الهيئة كإنسان، وضع نفسه وأطاع حتى الموت، موت الصليب. لذلك رفعه الله، وأعطاه اسماً فوق كل اسم؛ لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء، ومَن على الأرض، ومَن تحت الأرض، ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب.’’
(فيليبي 5:2-11)
أصدقائي الأعزاء ..
لقد انتهى وقت حلقتنا اليوم. ونأمل أن تكونوا معنا في الحلقة القادمة، لنكتشف كيف أرسل الله الروح القدس ليحيا في قلوب كل من قَبِل يسوع كربِّه ومخلِّصه ..
وليبارككم الله، وأنتم تتذكرون ما أخبر به الملاكان التلاميذ، عندما قالا:
‘‘إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء، سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقاً إلى السماء.’’ (أعمال 11:1)
ــــــــــــ
 

 الدرس السابع والثمانون | فهرس دراسات طريق البِرّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية