95
مراجعة ـ الجزء الثالث:
موسى وشريعة الله المقدسة

خروج 1-20


أصدقائي المستمعين ..
نحيِّيكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البرِّ الذي أسَّسه ، وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدِّم لكم حلقة أخرى من برنامجكم .. ‘‘طريق البر’’!

نود اليوم أن نستمر معكم في مراجعتنا لرسالة الأنبياء، التي هي الخبر السار الذي يوضِّح كيف يستطيع الخطاة أن يتبرَّروا أمام الله. ونحن مازلنا نراجع التوراة، وهو الكتاب الذي وضعه الله في ذهن نبيِّه موسى. وتوراة موسى، كما رأينا، هي ذات قيمةٍ عظيمة لكل من يريد أن يعرف الحقيقة. فهي الأساس الذي وضعه الله؛ كي نستطيع أن نتحقَّق من صحَّة كل ما نسمعه، فنعرف إن كان من الله أم لا.

رأينا في بداية التوراة، كيف أخطأ جدُّنا آدم. وامتدت خطيته إلى كل نسله كمرضٍ معدٍ، وجلبت معها الحزن والموت والعقاب الأبدي، كما كان قد سبق الله وحذَّر. ولكن، نشكر الله أن كلمته تقول: ‘‘وحيث كثرت الخطية، ازدادت النعمة جداً.’’ (رومية 20:5) نعم، في نفس اليوم الذي أخطأ فيه آدم وحواء، أعلن الله في نعمته، أنه سيرسل يوماً إلى العالم فادياً؛ ليفدي نسل آدم من اللعنة التي جلبتها الخطية!

ورأينا في درس المراجعة الأخير، أن الله دعا إبراهيم، ووعده أن يجعل منه أمةً جديدةً، يخرج منها جميع الأنبياء، ويخرج منها الفادي أيضاً. ومن ثمَّ، صار لإبراهيم ابنٌ، ودعاه إسحق. وإسحق ولد يعقوب. ويعقوب ولد اثني عشر ابناً، وهم الذين صاروا فيما بعد أسباط (أي قبائل) إسرائيل الاثنا عشر.

والآن، دعونا نستمر في مراجعتنا؛ لنرى كيف استخدم الله نسل إبراهيم، الذي هو شعب إسرائيل، ليعلِّم البشرية ما هي طبيعته، وأي طريق يتعيَّن علىالخطاة أن يسلكوه؛ كي يهربوا من دينونة الله العادلة. ودرسنا اليوم عنوانه .. ‘‘شريعة الله المقدسة’’!

رأينا، في دراستنا في التوراة، أن الله سمح أن يصير شعب إسرائيل عبيداً في أرض مصر لمدة أربعمئة سنة، تماماً كما أعلن الله لإبراهيم من قبل ذلك بزمنٍ طويل. وعندما حان الوقت المعيَّن من الله، أرسل الله موسى إلى الإسرائيليين. وكان موسى إسرائيلياً، نمى وترعرع في بيت فرعون، ملك مصر الشرير.

أرسل الله موسى إلى فرعون ليقول له: ‘‘إطلق شعبي ليعبدني!’’ ولكن فرعون رفض، وسخر قائلاً: ‘‘من هوالرب؟ لن أطلقَ شعب إسرائيل!’’ ومن ثمَّ، أظهر الله قوَّته ومجده لفرعون وللمصريين، عن طريق تسع ضربات رهيبة، وقعت على كل شعب الأرض، ما عدا الإسرائيليين. إلا أن العلامات والعجائب التي صنعها الله أمام فرعون، لم تجعله يتوب ويطيع كلام موسى. فقال الله لموسى: ‘‘ضربةً واحدةً أيضاً أجلب على فرعون وعلى مصر. بعد ذلك، يطلقكم من هنا!’’ هل تتذكَّرون ماذا كانت هذه الضربة؟ نعم، إنها ‘‘ضربة الأبكار’’، أي موت الابن البكر في كل بيت.

وهكذا، رأينا أن الله أمات بكر بيت فرعون، وكل أبكار المصريين. ولكنه خلَّص أبكار الإسرائيليين؛ بسبب دم الحمل الذي وضعوه على أبواب بيوتهم، كما أمرهم الله.
لأن الله نفسه وعد قائلاً: ‘‘ويكون لكم الدم علامةً على البيوت التي أنتم فيها. فأرى الدم وأعبر عنكم. فلا يكون عليكم ضربةٌ للهلاك حين أضرب أرض مصر.’’ (خروج 20:12)
وهكذا، وبسبب دم الخروف، عبر الله على بيوت الإسرائيليين، دون أن يميت أبكارهم. كانت هذه هي الطريقة، التي خلَّص الله بها الإسرائيليين من يد فرعون.

وقصة عيد الفصح (أو يوم العبور)، كما رأينا، لها معنى أعمق من مجرد تخليص شعب إسرائيل من سلطان فرعون. لأن كلمة الله تقول:
‘‘فهذه الأمور أصابتهم لتكون مثالاً .. لنا نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور.’’
(1كورنثوس 11:10)
وقصة دم الخروف، الذي جعله الإسرائيليين على أبوابهم، حتى يحفظ الله أبكارهم من الموت، ويخلِّصهم من فرعون، لم تكن إلا مثالاً تصويرياً. فهي تصوِّر طريق الخلاص الذي أسَّسه الله ليخلِّص الخطاة من الشيطان، ذلك المُسَخِّر، الذي هو أشرُّ من فرعون.

وترينا كلمة الله أن كل نسل آدم هم مثل عبيد. وربما يفكِّر البعض منكم قائلاً: ‘‘نعم، نحن نعرف أننا عبيد الله!’’ ولكن هذه الفكرة لا تتَّفق مع ما أعلنه الرب يسوع في الإنجيل، عندما قال:
‘‘الحق الحق أقول لكم، أن كل من يفعل الخطية، هو عبدٌ للخطية.’’ (يوحنا 34:8)
وحيث أن كل نسل آدم هم عبيد للخطية، إذن فهم أيضاً عبيد للشيطان؛ لأن الشيطان هو سيد الخطية. وما هو أكيدٌ تماماً، أن كل من هو عبد للشيطان، ليس لديه أي حيلة ليخلِّص نفسه منه!

هل يستطيع العبد أن يحرِّر نفسه؟ هل يستطيع أن يعطي شيئاً لسيده؛ ليطلقه حراً؟ ربما قد ينجح هذا مع سيدٍ صالح، ولكنه بالتأكيد لن ينجح مع سيدٍ مثل الشيطان. فالشيطان، مثل فرعون، لن يسمح بإرادته أن يطلق عبيده أحراراً أبداً! نعم، فكم نحن ـ نسل آدم ـ ملعونون! فهل هناك أحد يستطيع أن يخلِّصنا من سلطان الشيطان الذي جعلنا عبيداً له؟
نعم، المجد لله، فهناك مخلِّص! فلقد أرسل الله لنا شخصاً يقدر أن يحررنا! وهذا الشخص هو المخلِّص القادر البار، يسوع المسيح، الذي أتى من السماء، والذي له يشهد جميع الأنبياء.

وقرأنا في التوراة، كيف وعد الله أن يسحق رأس الشيطان من خلال المخلِّص القدوس الذي سيُولَد من عذراء. وقرأنا في المزامير، كيف كتب النبي داود أن هذا المخلِّص، الذي يدعوه الله ‘‘ابنه’’، سوف يُقتَل بطريقةٍ مروعة؛ إذ يعذِّبونه، ويثقبون يديه ورجليه! وفي كتاب الإنجيل، قرأنا الكثير عن هذا المخلِّص العجيب. هذا المخلِّص هو يسوع، ابن مريم، الذي عاش حياةً ملؤها الكمال، ومات على الصليب من أجل خطايانا، ثمَّ قام مرة أخرى من القبر. نعم، يسوع هو الشخص الذي تمَّم ما كتبه أنبياء الله منذ القديم بشأن مخلِّص الخطاة.

وكلمة الله تدعو يسوع: ‘‘حمل الله’’. فمثل كل الخراف التي ذُبِحَت في يوم الفصح (أو العبور)، سفك يسوع دمه ليخلِّصنا من الدينونة. فبعد أن خلَّص الله الإسرئيليين بواسطة دم الحمل في يوم الفصح الأول بنحو ألف وخمسمئة عام، سمح الله لنسل آدم أن يسمِّروا يسوع، المسيَّا البار، على الصليب. ولقد كان أيضاً في يوم عيد الفصح، عندما سُمِّر يسوع على الصليب. وهكذا نرى أنه كما تمَّم يسوع رمز ذبيحة إبراهيم ( ذبيحة عيد الأضحى)، هكذا أيضاً تمَّم يسوع رمز حمل الفصح. أما أولئك الذين صلبوه في ذلك اليوم، فقد كانوا يفعلون هذا عن جهل. ولكن الله كان قد دبَّر ذبيحة المسيَّا قبل أن يخلق العالم. (انظر رؤيا 8:13؛ أعمال 17:3)

إن يسوع هو الذبيحة الكاملة والنهائية لغفران الخطية. ودم يسوع المسيح هو الثمن القانوني الذي تطلَّبه الله ليفدي نسل آدم من سلطان الخطية. ولهذا تقول كلمة الله:
‘‘المسيح فصحنا قد ذُبِح (من أجلنا).’’ (1كورنثوس 7:5)
‘‘لأن المسيح، إذ كنا ضعفاء، مات في الوقت المعيَّن من أجل الفجَّار. فإنه بالجهد (أي من النادر) يموت أحدٌ لأجل بارٍ. ربما لأجل الصالح، يجسر أحدٌ أيضاً أن يموت. ولكن الله بيَّن محبته لنا؛ لأنه، ونحن بعد خطاة، مات المسيح لأجلنا!’’ (رومية 6:5-8)

وإذ نترك قصة الفصح، دعونا الآن نتذكَّر ما تعلَّمناه عن الشريعة المقدسة (أو الناموس المقدس)، التي عهد الله بها للإسرائيليين. رأينا في بحثنا في التوراة، كيف أظهر الله قداسته ومجده لموسى ولشعب إسرائيل في البرية، إذ نزل على جبل سيناء في لهيب نار، ورعود وبروق. وهناك، سلَّم الله لشعب إسرائيل وصاياه العشر، ووصايا أخرى عديدة، وهي التي تسمَّى ‘‘شريعة موسى’’ أو ‘‘ناموس موسى’’. لقد أمرهم الله قائلاً:
‘‘تحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل فكرك:
.. فلا يكون لك آلهة أخرى أمامي! ولا تصنع لنفسك أوثاناً!
.. ولا تسيئ استخدام اسم الرب إلهك! وتذكر يوم السبت لتقدسه!
‘‘وتحب قريبك كما تحب نفسك:
.. فتكرم أباك وأمك! ولا تقتل! ولا تزني! ولا تسرق!
.. ولا تشهد شهادة زور على قريبك! ولا تشتهي ما لقريبك!’’
ولهذه الوصايا المقدسة، أضاف الله هذه الكلمات:
‘‘من حفظ كل (وصايا) الناموس (أي الشريعة)، وإنما أخطأ في (وصية) واحدة، فقد صار مجرماً في الكل.’’ (يعقوب 10:2)
‘‘ملعون كل من لا يثبت في عمل جميع ما هو مكتوب في كتاب الناموس (أي الشريعة)!’’ (غلاطية 10:3)

.. ذلك، هو ما تعلنه الشريعة المقدسة التي عهد بها الله لموسى!

صديقي المستمع ..
هل حفظت هذ الشريعة المقدسة، التي تتطلب منك أن تكون كاملاً كمالاً مطلقاً في الفكر والكلام والعمل، من يوم مولدك، وحتى يوم مماتك؟ ففي كل يوم وكل ساعة، ليلاً ونهاراً، يتعيَّن عليك أن تحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل فكرك. ويتعيَّن عليك أيضاً، أن تحب قريبك كما تحب نفسك! فهل تمَّمت هذه الشريعة المقدسة؟
أنا وأنت نعلم أننا لم نتمِّمها! إذ يقول الكتاب:
‘‘ليس (هناك) بارٌ، ليس ولا (حتى) واحد!’’ (رومية 10:3)
‘‘إن قلنا أننا بلا خطية، نخدع أنفسنا، وليس الحق فينا.’’ (1يوحنا 8:1)
فلم يتمِّم أحد منا أبداً كل شيء تَطلَّبه الله منا؛ وذلك لأننا كلنا مولودون بطبيعة خاطئة، أي ميَّالة للخطية.

وربما يتساءل البعض قائلين:
إن كان لا أحد فينا يستطيع أن يتمِّم شريعة موسى، فلماذا إذن أعطاها الله لنا؟ هل الله يريد أن يَهلَك الجميع؟
.. لا، إن الله محبة، وهو لا يريد أن يَهلَك أحد!
فلماذا إذن أعطى الله وصاياه المقدسة للخطاة، بينما كان يعلم تماماً أن لا أحد يستطيع حفظها؟ ما هو الغرض إذن من تلك الوصايا؟
أجاب الله هذا السؤال، عندما قال:
‘‘فإن أحداً من البشر لا يتبرَّر أمام الله بالأعمال المطلوبة في الشريعة. إذ أن الشريعة هي لإظهار الخطية.’’ (رومية 20:3)
‘‘ولكن الكتاب يعلن أن الجميع هم سجناء الخطية، حتى أن الوعد، على أساس الإيمان بيسوع المسيح، يُوهَب للذين يؤمنون.’’ (غلاطية 22:3)

وهكذا نكتشف أن الله أعطى وصاياه المقدسة للخطاة، ليرينا عدم كمالنا أمامه، ويرينا احتياجنا ليسوع المسيح الذي حمل اللعنة التي جلبتها الخطية. إن الرب يسوع هو الشخص الوحيد، من بين كل بني البشر، الذي حفظ الشريعة المقدسة التي أعطاها الله لموسى. فيسوع، كما رأينا، كان مختلفاً تماماً عن نسل آدم؛ لأنه لم يشترك في طبيعتهم الخاطئة.
إن يسوع هو الكلمة السرمدي، كلمة الله، الذي نزل من السماء مولوداً من عذراء. إذ أخذ جسداً كجسدنا، ولكنه لم يأخذ طبيعتنا الشريرة. ولهذا، عندما كان على الأرض، استطاع أن يقول: ‘‘لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس. ما جئت لأنقض، بل لأكمِّل.’’ (متى 17:5)

هل سمعتم ما قاله يسوع؟ إنها لحقيقة عميقة وعجيبة جداً. لقد قال يسوع أنه جاء إلى العالم؛ ليتمِّم الشريعة المقدسة التي أعطاها الله لموسى! هل تفهم ما يعنيه هذا؟ إنه يعني أن يسوع قد تمَّم الشريعة المقدسة وكمَّلها، وبعد ذلك، سفك دمه على الصليب ليحمل لعنة الشريعة بدلاً منا، وليخلِّصنا من دينونة الله العادلة!
إن يسوع لم يكن يستحق الموت؛ لأنه لم يخطئ أبداً. إلا أنه لكي يكمِّل خطة الخلاص التي وعد بها الله على لسان الأنبياء، بذل الرب يسوع حياته من أجلنا، بمحض إرادته. وبعد أن سفك دمه ليدفع دين خطيتنا، أقامه الله من بين الأموات في اليوم الثالث! اسمعوا معي ما تقوله كلمة الله بشأن هذا:
‘‘إذ لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع (أي أن الشريعة لا تستطيع أن تدينهم). .. فإنَّ ما عجزت الشريعة عنه، لكون الجسد قد جعلها قاصرة عن تحقيقه، أتمَّه الله، إذ أرسل ابنه متَّخذاً ما يشبه جسد الخطية، ومكفِّراً عن الخطية، فدان الخطية في الجسد.’’ (رومية 1:8 ،3)

عزيزي المستمع ..
ما الذي تُعلِّق رجاءك عليه؟ أتعتمد على خبر الله السار عن المخلِّص البار الذي حمل عقاب خطاياك؟ أم تعتمد على أعمالك ‘‘الصالحة’’؟
.. لا تنسَ ما تعلنه كلمة الله، عندما تقول:
‘‘أما جميع الذين على مبدأ التبرر بأعمال الشريعة، هم تحت لعنة؛ لأنه مكتوب: "ملعون كل من لا يثبت على العمل بكل ما هو مكتوب في كتاب الشريعة." .. إلا أن يسوع المسيح قد حرَّرنا بالفداء من لعنة الشريعة، إذ صار لعنةً عوضاً عنا؛ .. لكي لا يهلَك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية.’’ (غلاطية 10:3 ،13؛ يوحنا 16:3)

أعزائي المستمعين ..
نشكركم على كريم إصغائكم ..!
وفي الحلقة القادمة، إن شاء الله، سنكمل مراجعتنا لكتب الأنبياء، ونرى كيف تمَّم يسوع المسيَّا كل ما تنبأ به الأنبياء عنه، فاتحاً باباً للخلاص والسلام لنسل آدم!

وليعطكم الله البصيرة في ما درسناه اليوم، ويساعدكم أن تتذكَّروا هذا الوعد من كلمته:
‘‘إذ لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع!’’ (رومية 1:8)
(أي أن الشريعة المقدسة لا تستطيع أن تدين الذين هم في المسيح يسوع!) .. آمين!
ـــــــــــــــــ
 

 الدرس السادس والتسعون| فهرس دراسات طريق البِرّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية