ما اعظم أعمالك يا رب كلها بحكمة صنعت

(مزمور24:104)

الخلية العجيبة وانواعها في الاحياء

The Cell & D. N. A.

جمع وتنسيق د. جورج رشيد خوري

كتب الوحي المقدس بواسطة ارميا النبي قوله :

"هكذا قال السيد الرب لا يفتخرن الحكيم بحكمته ولا يفتخر الجبار بجبروته ولا يفتخر الغني بغناه بل بهذا ليفتخرنَّ المفتخر بانه يفهم ويعرفني اني انا الرب الصانع رحمة وقضاء وعدلا في الارض لاني بهذا أسر يقول الرب" (كتاب التوراة سفرارميا 9: 22 )

وكتب ايضا: "خزي الحكماء ارتاعوا وأُخذوا. ها قد رفضوا كلمة الرب فأي حكمة لهم" (ارميا 8: 9)

يركز الكتاب المقدس في عهديه القديم والجديد معا, على ان "ايلوهيم", وهو الله الواحد الجامع سبحانه, هو خالق الكل بابنه المسيَّا(راجع التوراة تك2:1 ومز30:104وام4:30واش12:48-16والانجيل مت 19:28ويو1:1-5وكو16:1و2كو13: 14وعب8:1-12) الخ.

فيسأل الوحي في كتب موسى والانبياء لتعليمنا قائلا: "من صعد الى السموات ونزل, من جمع الريح في حفنتيه, من صرَّ المياه في ثوب, من ثبَّتَ جميع اطراف الارض, ما اسمه وما اسم ابنه ان عرفت"؟؟؟؟؟؟! (راجع سفر أم 4:30). وينذرنا الوحي المقدس بواسطة عبده داود في القديم ايضا فيقول: "فالآن يا ايها الملوك تعقلوا تأدبوا يا قضاة الارض. اعبدوا الرب بخوف قبلوا الابن لئلا يغضب فتبيدوا من الطريق لأنه عن قليل يتقد غضبه. طوبى لجميع المتكلين عليه"( راجع مزمور12:2).

إلا إن هناك افكارا ونظريات جديدة طرأت كغيرها على المجتمع في هذه الايام الاخيرة وقد صُنِّفَ البعض منها افكارا علمية. من بينها النظرة الداروينية وهي النظرة التي أُطلقَ عليها من البعض في ذلك الحين"النشوء والارتقاء". مفادها ان الكون وما فيه قد نشأ وارتقى الى ما هوعليه الآن, دون تدخلٍ من كائن ما. وذلك, كما يدَّعون نتيجةً للتصادمات الالكترو-مغناطيسية المتكررة في الاجواء طيلت قرون لا يحصىعددها. وانه ليس من الضروري الافتراض أن هناك خالق ومعتنٍ. وقد نظر اليها البعض في ذلك الحين بجدية, على اعتبارٍ انها نظرية علمية أكاديمية محترمة. ولكن هل هي كذلك؟.

يكتب الوحي المقدس:"قال الجاهل في قلبه ليس اله. فسدوا ورجسوا رجاسة. ليس من يعمل صلاحا ليس ولا واحد" (مزمور1:53.والانجيل رومية 12:3).

ويكتب الوحي ايضا: "لان غضب الله معلن من السماء على جميع فجور الناس واثمهم الذين يحجزون الحق بالاثم.اذ معرفة الله ظاهرة فيهم لان الله اظهرها لهم. لان اموره غير المنظورة ترى منذ خلق العالم مدركة بالمصنوعات قدرته السرمدية ولاهوته حتى انهم بلا عذر.لانهم لما عرفوا الله لم يمجدوه او يشكروه كاله بل حمقوا في افكارهم واظلم قلبهم الغبي.وبينما هم يزعمون انهم حكماء صاروا جهلاء" (الانجيل رومية1: 18-22).وكتب الرسول ايضا من كلمات الرب: "سأبيد حكمة الحكماء وأرفض فهم الفهماء. أين الحكيم أين الكاتب أين مباحث هذا الدهر.ألم يجهِّل الله حكمة هذا العالم. لانه إذ كان العالم في حكمة الله لم يعرف الله بالحكمة استحسن الله أن يخلص المؤمنين بجهالة الكرازة"(راجع الانجيل 1كو19:1-25).

هذا.وإن في ايامنا هذه والشكرلله, قد اصبح ينتشر في انحاء العالم علماء مؤمنون مختصون كثيرون شهادتهم هي ان العلم الصحيح لا يناهض الدين الصحيح.

فقد كتب بعض هؤلاء الافاضل: "ان نظرية النشوء والارتقاء, هي نظرة بعيدة عن العلم والمنطق السليم . ذلك لانها لم تثبت امام امتحانات العلم الصحيح والاختبار الصادق ". لذا فلم يتبناها في حينها, سوى بعض الذين كانوا يفتشون عن بديل لله في خليقته, وقد انتهى امرها حيث وُلدت.

هذا ولكن للأسف ما زال يوجد حتى اليوم بعضا من هؤلاء المدعوين اساتذة علوم في بعض المدارس , يجدون لهم آذانا صاغية بين تلاميذ بسطاء, من شأنها ان تبلبل الافكار. "الذين",كما يكتب رسول المسيح بولس عن مثل هؤلاء, "هم اصحاب العلم الكاذب وكلمتهم ترعى كآكلة" (راجع الانجيل1تي20:6و 2تي17:2). وقد حذرنا الرسول بولس بقوله :"انظروا ان لا يكون احد يسبيكم بالفلسفة وبغرور باطل حسب تقليد الناس حسب اركان العالم وليس حسب المسيح" (كو8:2).

وقد جاء في كتاب "تصدع مذهب داروين " صفحة 113 ما خلاصته: "ان الادلة على وجود الله الخالق كثيرة جدا ولكن اوضحها واسهلها فهما ما يسمى بدليل القصد او الغاية . ويُعرف بدليل بالي وهو فيلسوف انكليزي اثبت وجود الله من العقل فكتب: ان كل آلة لها صانع . وان دراسة تشريح العين مثلا يبين لنا غاية واضحة وقصدا بيِّنًا, وهي انها صنعت للنظر. ودراسة تشريحها يبين لنا انها صنعت على مثال عجيب. ولا يعقل وجود آلة, أو آلاة معقدة كهذه, لها مثل هذه الدقة في الغرض الذي تؤديه, دون ان يكون لها صانع صممها بحكمته ونفذها بقدرته حتى تأتي بمثل هذه الدقة بالاعمال" .

علم وترتيب سابق

ويكتب الاستاذ العالم كيونو الفرنسي ايضا في كتاب تصدع مذهب داروين صفحة 176: "ان كل الاشياء التي حدثت وتحدث تدل على علم وترتيب سابق حدَّدَ لها طريقا معينا, وجعلها تسيرعليها سيرا متصاعدا".

وهذا القول يتفق مع اقوال كثيرين من العلماء الذين يرون في تدرج نشوء الكائنات الحية وارتقائها , دليلا آخر على وجود الخالق سبحانه وعنايته الدائمة.كما يكتب الوحي المقدس بخصوص الرب يسوع المسيح قوله :" الذي هو صورة الله غير المنظور بكر كل خليقة. فانه فيه خلق الكل ما في السموات وما على الارض ما يرى وما لا يرى سواء كان عروشا ام سيادات ام رياسات ام سلاطين.الكل به وله قد خلق.الذي هو قبل كل شيء وفيه يقوم الكل وهو راس الجسد "الكنيسة"(راجع الانجيل كو15:1-18).

النمو الجنيني

وفي صفحة 178 و179 يكتب الفيلسوف الالماني والعالم البيولوجي الشهيرالاستاذ -هانس درايش- في صدد النمو الجنيني: "انه لا يمكن للعوامل الطبيعية وحدها ان تفسر لنا النمو الجنيني في داخل امه".

ويكتب الاستاذ آرثر طمسن ايضا: "انه لا يمكن لانسان غير مغرض شاهد نمو الجنين عن كثب, ولاحظ حركاته المختلفة وتنوع اجزائه وهو في رحم امه, الا ان يقول: ان الجنين يبدو لنا كأنه يسير لغرض معين بحكمة وعناية صانع الكون"

اعداد الطعام المناسب في الأم قبل وبعد الولادة

وقد جاء في كتاب - نظام التعليم-مجلد اول صفحة 144: "ان الاجهزة الظاهرة في تركيب الحيوان لا تحصى. وكلها تبين حكمة صانعها. وتابع : لاحظ احتياج كل نوع من الحيوانات على حدته عندما يبدأ حياته في داخل امه. من ذلك اعداد الطعام له قبل ولادته. ففي ذوات الثدي مثلا يكبر الثديان قبل الولادة ويعد الحليب مشبعا بالبروتينات اللازمة مبدئيا لبنيانه, من ثم بعد وقت قليل من الرضاعة يضاف اليها تلقائيا في صدر الام السكريات اللازمة لاجل الطاقة. متمشيا في الزيادة طبقا لتطور جسم الطفل ونموه. حتى يجد هذا المولود طعاما متدرجا وهوعلى غاية ما يكون من المناسبة لاجل تغذيته في كل اطوار طفولته. خصوصا في الكائنات التي تبيض فاننا نرى جرثومة الجنين محاطة بالمح - اي البياض-فيتغذى منه وينمو به رويدا رويدا الى ان يستهلك جميع المواد الغذائية داخل البيضة فيخرج منها مستعدا لنوال طعامه على وجه آخر. وان هذا الاعداد لا يأتي تلقائيا بل من تدبير خالق لا نهاية لحكمته اعظم جدا من ادراكنا المحدود. لا من الام التي لا علم لها بكل ما يجري في داخلها سوى انها حامل وكفى". نرجع ونكرر مع داود الملك: "ما اعظم اعمالك يا رب كلها بحكمت صنعت", آمين

عبقرية الحياة

وقد جاء في كتاب "الانسان ليس وحده" أو "العلم يدعو الى الايمان" ما خلاصته : "فهذه الحياة التي قد اعدت الارض لتوجد عليها, من نبات وحيوان وانسان. من رسم لها طريقها وحدد لها اهدافها ؟؟. من الذي يجعلها تستخدم طاقة الشمس, وتهيمن على كافة العناصر وتحلها, وكمثال ذكي تصوغها من جديد في اشكال شتى من نبات وحيوان وانسان ؟؟ ومن الذي يجعلها كفنان تخط كل ورقه في كل شجرة, وتلون الازهار والثمار وريش الاطيار. ومن الذي يجعلها كموسيقي تعلم الطير كيف يغرد, والانسان كي يعزف, من الذي يجعل الحياة كمهندس,فهي تصمم سيقان كل كائن حي وعضلاته وروافعه ومفاصله وقلبه الذي يخفق دون كلل. من علم الحياة كيف تمدد تمديداتها الكهربية في كل الجسد لاتمام دورته الدموية الكاملة ؟ ومن الذي يجعلها ككيماوي, فهي تهب المذاق للفواكه والتوابل, والعطر للزهور ؟. ومن الذي يجعلها كعالم رياضيات فهي تسن للزرع والانتاج قواعده الحسابية الثابتة في عالم النبات والحيوان والانسان ؟ ومن الذي يجعلها كراعية تدر اللبن للصغار بوحي امومة لا شعورية, وتجعل الحمل فرحا بالحياة فيرتع ويقفز وهو لا يدري لماذا ؟. ومن الذي يجعل الحياة تلون عيني الطفل وتمنحهما بريقا ، وتصبغ خديه بالحمرة وتبعث بالضحك الى شفتيه ؟ وتحبوه بحنان الأم الواعي؟". من ؟ من غير الله الحي صاحب الفكر الثاقب واليد الطولى والقلب الكبير؟.

مقالة في جسم الانسان

ويكتب الدكتور-لويس ايفنس- في كتابه "السيد الذي ينشده الشباب"- ص51 تحت مقالة في جسم الانسان, يقول: "ان في جسم الانسان 250 عظمة تتحرك بدقة عجيبة بواسطة الوف العضلات بل ملايينها. وفي العين وحدها 400 مليون مخروطة صغيرة و300 مليون من الالياف ونصف مليون عصب دقيق.و.و. وكلها تتحرك معا بدقة متناهية وبدون اي الم سوى عند المرض وفي حالات طارئة.

وهناك مليارات الافران في الجسم هي الخلايا نفسها تحرق الغذاء لتوليد الطاقة, وعدد كبير من المؤكسدات الصغيرة.

كما نجد ملايين من الكراة البيضاء التي تضحي بنفسها وتموت في حربها ضد الامراض, والرئتين اللتين تعملان ليلا ونهارا عل تنقية الدم, والقلب الصلب والامين, فهو يدفع 280 الف طن من الدم سنويا ليصل الى اجزاء الجسم المختلفة".

حقا ان الله وحده يستطيع ان يصنع هذا كله, وقد صنعه من ارخص المواد, كما اختار الرب كنيسته من ارخص البشر, من المزدرى بهم وغير الموجود ليبطل الموجود, كما عبر عن ذلك الرسول بولس (راجع1كو27:1). فحقا نستطيع ان نكرر على الدوام قولنا مع داود النبي قوله :" ما اعظم اعمالك يا رب كلها بحكمة صنعت" آمين (مزمور24:104) وقد صرح العلامة فيالتوناحد اساتذة علم التشريح والحياة وهو من المؤمنين المشهورين : "ان كلمة الخلق, التي استبعدها بعض العلماء من لغة علم الحياة, يجب ان تعود وتحتل مكانها الاول. لتفسر لنا على الاقل تلك الحقيقة التي لا يمكن انكارها وهي ان العالم يظهر لنا وحدة كاملة منظمة منسقة خاضعة لارادة عاقلة . والعلم بتقدمه اليوم اثبت وجود هذا الترتيب والقصد والتناسق بكل مجالاته العظيمة من اصغر الكائنات الحية المايكروسكوبية الى اكبرها. فوجود الخالق هو اعظم استنتاج توصل اليه البشر".

ويقول العالم الالماني الشهير" فون رينكه" في كتابه (صفحة 178 ) : "اذا سلمنا ان المادة الحية اتت من المواد الغير حية في زمن من الازمنة فاني اعتقد ان عقيدة الخالق والخلق والعناية تبقى هي النظرية الوحيدة التي يقبلها المنطق السليم ويرتاح اليها عقل الانسان".

ويكتب العالم البيولجي الدكتور سيسل هامان في كتابه "الله يتجلى" (صفحة 141): "اينما اتجهت ببصري في دنيا العلوم رأيت الادلة على التصميم والابداع, على القانون والنظام , على وجود الخالق الاعلى. فعندما نذهب للعمل ونفحص قطرة من ماء المستنقع تحت المجهر لكي نشاهد سكانها فاننا نرى احدى عجائب الكون . فتلك الاميبا تتحرك في بطء وتتجه نحوكائن صغير فتحوطه بجسمها فاذا به في داخلها , واذا به يتم هضمه وتمثيله داخل جسمها الرقيق. بل اننا نستطيع ان نرى فضلاته تخرج من جسم الاميبا قبل ان نرفع اعيننا عن المجهر. واذا لاحظنا هذا الحيوان فترة اطول , فاننا نشاهد كيف ينشطر جسمه شطرين . ثم ينموا كل من هذين الشطرين ليكون حيوانا جديدا كاملا. تلك خلية واحدة تقوم بجميع وظائف الحياة التي تحتاج الكائنات الاخرى الكبيرة في ادائها الاف الخلايا او بلايينها . لا شك ان صناعة هذا الحيوان العجيب الذي بلغ من الصغر والحيوية حد النهاية , تحتاج الى اكثر من مصادفة".

الساعة الكبرى

وقال الاستاذ جينس وهو من اعاظم الفلكيين : "ما الكون الا ساعة دقيقة, اكثر مما يستطيع ان يتصورها اذكى انسان, تسير بنظام دقيق ثابت, جاء العلم فوجدها , لكنه لم يعرف من صنعها له او اوجدها. ولا من ملأها بادارة زنبركها. غير ان ثبات الكون كله ونظامه متوقف على ثبات ناموسها ونظامها, وهذان يدلان على وجود قوة عاقلة , منظمة وضابطة وراءها هو الله سبحانه".

الخلية والتشريح الحديث

قال احد علماء التشريح الحديث: "أنه ليس في المستطاع فهم الكائن الحي بمجرد دراسة جسم ميت. لان انسجة الجثة الهامدة قد جردت من الدم الذي يدور فيها وكذلك من وظائفها. ويتابع ان العضو الذي يفصل عن وسيطه المغذي له - اي الدم -يجرد من وظيفته, فكأنها لا توجد على الاطلاق. فالدم يجري في كل جزء من العضو الحي. وهو ينبض في الشرايين فينساب فى العروق ويملأ الاوعية الشعرية ويغرق جميع الانسجة في المادة الليمفاوية الشفافة . ومن ثم فلكي نفهم هذا العالم الداخلي كما هو. لا مفر لنا من الاستعانة بفنون اكثر دقة من اساليب التشريح الكلاسيكي وعلم الدراسة الميكروسكوبية للانسجة.وبالتالي علينا اولا ان لا نفصل الخلايا عن الوسيط, والوظيفة عن البنيان كما يفعل علم التشريح اليوم. وعلينا ثانيا ان ندرس اعضاء الكائنات الحية كما ترى اثناء العمليات الجراحية لا بعد الموت وانعدام الحياة".

تصرف الخلايا

"تتصرف الخلايا في داخل الجسم كحيوانات مائية صغيرة تسبح في وسيط مشبع بالاوكسجين والغذاء. وهذا الوسيط يشبه ماء البحر , ولكنه يحتوي على كمية اقل من الاملاح , وتركيبه اكثر دسما وتنوعا من ماء البحر , وكرات الدم البيضاء ,والخلايا التي تغطي جدران الاوعية الدموية والليمفا ,تشبه سمكا يسبح بحرية في اعماق المحيط او يستقر مفرطحا فوق قاعه الرملي".

الانسجة والاعضاء

"تتجمع الخلايا في جمعيات يطلق عليها الانسجة والاعضاء , ولكن تشبيه هذه الجمعيات بجمعيات البشر والحشرات مسألة ظاهرية فقط, لأن فردية الخلايا ليس لها اي معنى ملحوظ بالنسبة لعملها بين الجماعة . ان دراسة جماعة الخلية كمجموعة هو اكثر تقدما وافادة من علم دراسة وظائف الخلية كفرد.. لقد عرف علماء التشريح والفزيولوجيا الصفات المميزة للانسجة والاعضاء , اي جمعيات الخلايا , منذ امد بعيد , ولكنهم نجحوا حديثا فقط في تحليل صفات الخلايا انفسها والاجزاء التي تتكون منها الاتحادات العضوية. ولقد كشفت هذه الخلايا عن نفسها وعما وهبها الله من قوى لا يرقى اليها الشك انها ذات صفات مذهلة.. ومع ان هذه الصفات تقديرية في احوال طبيعية , الا انها تصبح حقيقية تحت تاثير المرض عندما يتعرض الوسيط العضوي, اي الدم , الى تغييرات طبيعية - كيميائية معينة. وهذه الصفات مجتمعة تمد الانسجة عند المرض بقوة على بناء الجسم الحي اكثر بكثير من تلك التي تمده بها منفردة" .

الخلية العجيبة والانسان*

ان الانسان او الحيوان ام النبات ينشأ من خلية واحدة, من ثم تنقسم هذه الخلية الى خليتين. وهاتان الخليتان تنقسمان بدورهما الى اربعة خلايا. ويستمر هذا التقسيم دون توقف. وفي اثناء حدوث هذه العملية من احكام تركيب المخلوق يحتفظ الجنين بالبساطة الوظيفية للبويضة. ويبدو ان الخلايا تعي وحدتها الاصلية ولا تنساها, حتى عندما تصبح عناصر جمهرة لا يحصيها عدد. انها تعرف من تلقاء ذاتها الوظائف المطلوب منها تأديتها في الجسم كوحدة. فلو اننا زرعنا خلايا ابثيلية لعدة اشهر, وهي بعيدة عن الجسم الذي تنتسب اليه, فانها تنظم نفسها تنظيما يشبه الفسيفساء.كما لو كانت ستحمي سطحا. مع ان هذا السطح يكون غير موجود. كذلك كريات الدم البيضاء التي تعيش في قنينة, تبذل قصارى جهدها للفتك بالجراثيم بالرغم من عدم وجود جسم تتولى حمايته. وذلك لأن المامها الفطري بالدور الذي يجب عليها ان تلعبه في الجسم ان هو الا وسيلة للبقاء. فلو ان عددا قليلا من الكريات الحمراء انساب من قطرة من الدم وضعت في سائل البلازما, وكونت مجرى دقيقا, فانها سرعان ما تنشيء لهذا المجرى شاطئين. ولن يلبث هذان الشاطئان ان يغطيا نفسيهما بخويطات من الليف, ويصبح المجرى انبوبة تنسال فيها الكريات الحمراء, مثلما تنسال في وعاء دموي, وتحيط نفسها بغشاء متماوج. وفي هذه الاثناء يتخذ مجرى الدم مظهر وعاء شعري مغلف بطبقة من الخلايا القابضة. وهكذا فان الكريات الحمراء والبيضاء المعزولة, تستطيع ان تنشيء قطاعا صغيرا من جهاز الدورة الدموية. بالرغم من عدم وجود قلبا ودورة دموية, او انسجة لترويها".

ان الخلايا اشبه بالنحل الذي يبني عيونه الهندسية, ويفرز عسله ويطعم اجنَّته كما لو كانت كل نحلة تعرف الحساب والكيميا, وتعمل مجردة من كل انانية لمصلحة المجموع كله.وما ذلك الميل التلقائي لتكوين الاعضاء بواسطة الخلايا الانشائية الا فروضا لا يمكن تفسيرها على ضوء افكارنا وآرائنا البشرية مهما طال الزمان.

فنون غريبة عن العقل البشري

ويكتب الدكتور الجراح الكسيس كاريل الحائزعلى جائزة نوبل(1939) لابحاثه الطبية الفذة المتعلقة بالقلب الميكانيكي, وقد قضى ايامه رئيسا لجمعيات علمية كبيرة في باريس ونيويورك ما خلاصته : "ان كل عضو في الجسم يبني نفسه بفنون غريبة جدا عن العقل البشري. فهو لا يصنع نفسه من مادة غريبة عن نفسه, كما نصنع نحن منازلنا من الاحجار والاخشاب وغيرها مثلا. بل يبني نفسه من نفسه ذاتها,كما من حجرسحري واحد, يتولى صنع قوالب واحجار سحرية اخرى. تكون مختلفة عنه في الشكل والحجم والنوع حسب الحاجة. وهذه الاحجار لا تنتظر رسومات المهندس المعماري, ولا مجيء بنائين وفعلة ليضعوها بروابط في مكانها, ولكنها تجمع نفسها فتكون جدراناً.كما انها تتحول ايضا الى اخشاب والى نوافذ والى دهان وزجاج. والواحا للسقف, ومدفئة, وفحم للتدفئة, وما يحتاجه المطبخ والحمام.

وينمو العضو بوسائل, اشبه بتلك التي تنسب الى الجنيات في القصص الخرافية. التي كانت تروى للاطفال في الايام الخوالي. فالخليه الواحدة تَصنع من نفسها المواد والبيت والمهندس والعمال وتقرر حجمه. فلا يوجد في ورشة العمل سواها فهي الاول وهي الآخر في كل جسم. انسانا كان ام حيوانا ام نباتا ". نرجع ونكرر: "ما اعظم اعمالك يا رب كلها بحكمة صنعت".آمين.

الخلية والجنيِّس ( اي حامل النسل).

ويكتب الدكتور كاريل ايضا: "ان الخلية على الرغم من ضآلتها وبساطتها فانها جسم شديد

--------------------------

*ان العالمان "واطسن وكريك" وهما من اهل الاختصاص, يتقدمان هنا في (بريطانيكا انسايكلوبيديا)بشرح نموذجي للمادة التناسلية تجينس وتَقَنِيَّتِها الكاملة بالتناسخ المعقول مع التجينات (ال د ن أ dna) في الخلايا فيكتبان : ان الترابط الثنائي التام لجزيئة (ال د ن أ ) وكيفية انحلال التراكب الذري في هذه المادة, يشمل ايضا اضمحلال روابط ذرة الهايدروجين من بين المركبات الذرية النيتروجينية الثنائية .

ويدور البحث في انه عند وجود وحدة نيوكليوتايد, (وهي جزئية مركبة من (كلس+ سكر + فوسفات ) بجوار جزئية ( ال د ن أ )في الخلية يحدث اتحاد بين المركبين. يؤلف مادة سكرية خاصة (تدعى بوليميرايز), وهي مادة تساعد على التوالد وتقوية الفوسفات في ال (د ن أ ). وهذه المادة السكرية يمكن اصدارها ايضا من خلايا البكتيريا وهي, "الإيكولي" , مادة بكتيرية وجراثيم , اثناء عملية التمثيل التوالدي.

وان الاطلاع على آخر التطورات والانجازات في حقل علم الاحياء, لهو أمر ممتع للغاية.فجزيئة ( dna) د. ن. أ.) هي مثال واضح على عطمة الله الخالق سبحانه. فان هذه الجزيئة( dna) والتي لا تشكل سوى جزء بسيط جدا من خلية الاحياء, تبرز فعاليتها كحافظة للمعلومات في الانسان من خلال مقارنتها برقاقة الكومبيوترالحديث . فلو اردنا خزن المعلومات المتوفرة في مكتبات العالم بواسطة الرقاقات الالكترونية, سوف نحتاج كما قرأنا اعلاه الى خط منها يصل بنا من الارض الى الشمس ذهابا وايابا. بالمقابل, اذا اردنا خزنها في جزيئات ( dna) يكفي في هذه الحال القليل القليل منها, فان مادة اال( dna) هي فعالة ملايين المرات اكثر من ادوات الانسان ذات التقنية العالية والمصنوعة من السيليكون الشديد الفعالية, التي يعملعليها الكومبيوتر

ويكتبون ايضا: إذا جمعنا اربعة انواع او جزئيات مختلفة من وحدة نيوكليوتايد, مع جزئية معينة من ال (د ن أ )فلا بد من ان يَتَكَوَّن عدة نسخات عن نفس تلك المادة عينها. فان جزيء ال د ن أ. الآتي من حيوان معين, يتوالد الى د. ن. أ. ايضا, آخذا نفس الحيوان وطبيعته.

ومن التجارب للعالمِين "ميسلون واستال" على الجزيء"الايكولي"البكتيري في عام(1958)كان الاستنتاج ان الجزيء الجيني يُنسخ بإطارين ثنائيين كاملين. إطار قديم وإطار جديد. ووظيفة القديم منهما هي ان يكون إنموذجا تبنى عليه خلية التكوين للإطار الجديد, وهو ان هذه الصفة هي الكروموزوم, الصبغة التكوينية في الخلية, التي تنقل مزايا الخلايا القديمة نفسها الى الخلايا الجديدة. فخلية الانسان تتألف طولا من مترين, ومن نقاط تمثل مركَّبات ذرية لكل خلية. وان جسم متوسط الانسان يشكِّلُ خطا متواصلا من هذه المركبات الجينية, يمكن ان يصل من الارض الى الشمس, وايابا منها .هذا اذا مغطنا هذه المركبات من شكلها الحلزونية, الى خط افقي او عمودي. وهذه المسبحة الحلزونية لها (140) اطارا مزدوجا من الصبغة التكوينية ( الكروموزوم ). وهناك ايضا خطا يحتوي على ما يقرب من 100 مركَّب جيني ثنائي يدعى الجامع فيما بين الحبيبات البروتينية في هذه المسبحة الحلزونية. وهذا الجامع هو لين للانعكاف, لأن يحصر نفسه في أيٍّ من هذه الحلقات الجينية. نرجع ونكرر: ما اعظم اعمالك يا رب كلها بحكمة صنعت (إقرأ مزمور 13:139-18).

------------------------

التعقيد. انها قطرة من الهلام (الجيلاتين) يحيط بها غشاء قابل الاختراق وقد اصبح بالامكان اليوم التقاط افلام للخلايا وتكبيرها الى درجة انها تصبح اكبر من الانسان حينما تعرض على الشاشة, وعندئذ تكون جميع اعضائها مرئية. ان معظمها فراغ وتسبح في وسطها نواتها وهي على شكل منطاد مرن الجدران مملؤ بهلام شفاف عديم الحركة. وانك ترى في هذا الهلام نواتين تتغيران بدون توقف , وتوجد حول كل نواة حركة عظيمة لذرات صغيرة يَطلق عليها العلماء اسم جهاز غولجي تتصل وظيفته بتغذية الخلية. كما ان كريات اكبر لاتفتأ تشق لها طريقا متعرجا عبر الخلية الى اقصاها. بيد ان الاعضاء الاكثر اعتبارا فيها هي الحبيبات الدقيقة والشعيرات الطويلة** التي تشبه الثعابين, او البكتيريا, وجميعها تنزلق راقصة ومتماوجة بشكل دائم في المسافات الخالية من جسم الخلية "*.وزاد قائلا : "ان هذا التعقيد في بنيان الخلية الحية محير ومدهش للغاية, ومع ذلك فان تركيبها الكيميائي ما زال اكثر تعقيدا. فان النواة التي تبدو كانها خالية تماما تحتوي على مواد ذات طبيعة مدهشة حقا. ولا شك في ان البساطة التي

ينسبها الكيماويون الى تكوينها مجرد وهم. اذ الحقيقة هي ان مادة النواة تشمل الجنيس ذاته ( الوارث للاصل) وهي تلك الكائنات الغامضة التي لا يعرف العلماء عنها شيئا سوى انها الاتجاهات الوراثية لخلايا الانسان والحيوان وكل ذي حياة. فمن ثم فان التركيب الكيميائي للنواة يجب ان يكون على اعظم جانب من التعقيد لا بسيطا كما يقال. والجنيس (الوارث للاصل) غير منظور فيها, ومع ذلك فاننا نعرف انه يأوي الى الكروموسومات, تلك الاجسام المستطيلة,التي ترى بوضوح في سائل النواة الصافي عندما توشك الخلية على الانقسام. ففي هذه اللحظة تكون الكروموسومات جماعتين بشكل قد يكون واضحا , وتتحرك هاتان الجماعاتان مبتعدتين احداهما عن الاخرى, وفي اللحظة ذاتها تهتز الخلية بعنف وتقذف بمحتوياتها في جميع الاتجاهات ثم تنقسم الى قسمين. وهذان القسمان-اي الخلايا الابناء-تنسحب احداهما عن الاخرى بينما تظل مرتبطة ببعضها بواسطة شعيرات مطاطة, وتتمدد هذه الشعيرات ثم لا تلبث ان تستسلم , وهكذا يكتسب عنصرا الجسم الجديدان ذاتيتهما الفردية".

انواع الخلايا وتجانسها

الخلايا, كالحيونات, تنتمي الى اجناس مختلفة , وهذه الاجناس , او الانواع , تعين بصفات تكوينها ووظائفها المميزة لها. انها تبرز من حقول مختلفة , مثل غدة الثايارويد والطحال والجلد والكبد..الخ. ولكن مما يدهش له ان الخلايا التي تنشأ من المنطقة نفسها قد تتخذ انواعا مختلفة في فترات متعاقبة من الزمن...ان جسم الانسان غير متجانس في الاتساع , ويمكن تقسيم انواع الخلايا التي تبني الجسم الى طبقتين تقريبيتين . الخلايا الثابتة التي تكوِّن اتحاداتها الانسجة والاعضاء, والخلايا المتحركة والرابطة التي تسير في الجسم كله..

الخلايا الرابطة والابيثيلية النبيلة

"تنتمي انواع الخلايا الرابطة والابيثيلية النبيلة الى فصيلة الخلايا الثابتة. والخلايا الابيثيلية هي انبل العناصر الموجودة في الجسم... انها تكوِّن الدماغ والجلد وغدد الاندوكرين..الخ. وتكون الخلايا الرابطة اطار الاعضاء.. انها كائنة حقا في كل مكان.. وتظهر حولها مواد مختلفة كالغضروف والعضلات والاوعية الدموية والاعضاء والالياف المرنة التي تكسب الهيكل والعضلات والاوعية الدموية الصلابة والمرونة اللتين لامناص منهما لتادية وظائفهما. بالاضافة الى ذلك فانها تحدث التغييرات الطبيعية التي تحدث ابان دورة الحياة في العناصر القابضة , وتلك هي عضلات القلب والاوعية والجهاز الهضمي كله كذا جهاز الحركة. وعلى الرغم من ان الخلايا الرابطة والابيثيلية تبدو غير متحركة وتعرف بانها ثابتة, الا انها تتحرك كما ثبت ذلك من التصوير السينمائي. بيد ان حركتها بطيئة. انها تنزلق وتجذب معها نواياتها التي تنتشر في كومة سائل . كما انها تختلف اختلافا ملحوظا عن الخلايا المتحركة"

الخلايا المتحركة وكرات الدم البيضاء :

ان الخلايا المتحركة تشتمل على انواع مختلفة من كرات الدم البيضاء ومن الانسجة. وحركتها سريعة. وكرات الدم البيضاء تتميز باستيعاب نويات عديدة تشبه الاميبا ( ذو خلية واحدة يتوالد بالانقسام الذاتي ايضا). وتزحف الحويصلات الليمفاوية ببطء اكثر مثل الديدان الصغيرة , اما الكبيرة منها وهي الحويصلات المفردة , فلها شكل الاخطبوط , وهي تخرج اعضاء حس طويلة من مادتها كما تحيط نفسها ايضا بغشاء رفيع متماوج. وبعد ان تغلف الخلايا الميتة والجرا ثيم في ثنيات غشائها فانها تبيدها جسميا. وتتميز انواع الخلايا بطريقتها في الحركة وفي اتحاد احداها مع الاخرى وشكل مجموعاتها ودرجة نموها واستجابتها لمختلف الكيماويات والمواد التي تفرزها والطعام الذي تحتاجه كما تتميز بشكلها وبنيانها.. وقد بدا ادراكها بشكل اوسع يحل محل التعاريف المشكوك فيها التي وضعها التشريح الكلاسيكي لها".

قوانين تنظيم الخلايا

"ان قوانين تنظيم كل مجموعة خلايا -اي كل عضو من اعضاء الجسم - مستمدة من هذه الخصائص العنصرية. ولو كانت خلايا النسيج تملك فقط الصفات التي ينسبها علم التشريح لها, لما كان في استطاعتها ان تنشيء جسما حيا, بيد انها وهبت من الله جل جلاله قوى اكثر علوا وسموا , ولكنها لا تظهرها جميعا. والى جانب كل هذا النشاط , فانها تملك قوى اخرى تكون مخبأة عادة , ولكنها تصبح فعالة عندما تستجيب لتغييرات كيماوية معينة في الوسيط - الدم -. وهكذا تتاح لها فرصة علاج الحوادث الغير متوقعة ابان الحياة العادية او اثناء المرض... فالجسم كل جسم هو عبارة عن وحدة محكمة متحركة يتحقق اتزانه بواسطة الدم والاعصاب التي تصل بين جميع انواع الخلايا . ولا يمكن تصور وجود الانسجة دون وجود وسيط سائل في اي جسم كان" ,

خطيئة هيجل

وقد قال احد علماء عصرنا الحاضر , لقد اخطأ هيجل خطيئة لا يستهان بها عندما ظن انه اذا اعطي عمرا طويلا وموادا كيماوية معينة وهواءا صالحا, يسطتيع ان يعطيك انسانا. اذ لم يكن هيجل قد علم بعد ولا الذين ناصروه من بعده بوحدات الوراثة ( اي الجينات) وقد جهلوا ايضا, او تجاهلوا اذا صح التعبير, ان وحدات الوراثة " الجينات" هي مأوى الحياة ذاتها وهي سر لا يعلمه احد سوى الله .وان الظن بان الحياة قد نشات تدريجيا دون عناية, في عصور مضت تمشيا مع ناموس النشوء والارتقاء, امر لا يقبله العقل السليم".

الحياة ليست مركبا كيماويا

ويتابع الدكتور كاريل مؤلف كتاب "الانسان ذلك المجهول":– "يكفي ان نقول ان الحياة ليست مركبا كيماويا ماديا, بل هي تستعمل المواد الكيماوية لاغراضها ونموها ومتى كملت في داخل الخلية الام وانفصلت عنها يكون لها ثلاثة مظاهر وهي المظهر الكيميائي والمظهر التشريحي والمظهر الفسيولوجي.

اما الكيميائي فهو ان الخلية تتركب من البروتوبلازم. وهذه المادة البروتوبلازم تتكون اساسا من البروتين المركب من الكربون والايدروجين والاكسيجين والنيتروجين.

ومن الوجهة التشريحية يلاحظ ان اجزاء الكائن الحي مرتبطة ببعضها ارتباطا في غاية الدقة والترتيب. كذلك من الوجهة الفزيولوجية ترى, انه مع تعدد وظائف الحياة واختلافاتها, اتفاقا لغاية خاصة هو حفظ الحياة المرشدة لحفظ النوع".

من هنا نرى, ان الخلية الحية هي المسيطر الوحيد على المادة لبنيانها وترتيبها بحسبما اعطيت لكي تكون مسكنا صالحا لها, ونستطيع ان نقول بانها هي الشيء الذي أطلق عليه العلماء , "الغريزة", وقد اعطيت الخلية الام القدرة, كما قرأنا اعلاه, كي تعطي من حياتها حياة اخرى لمخلوق آخر نظيرها يبني نفسه بمساعدتها اولا, حتى يكتمل في داخلها.من ثم يخرج منها بعد حين كي يعطي بدوره حياة اخرى لمخلوق آخر نظيره مزودا بتعليمات جديدة, وهكذا دواليكم .

ان قيادة بناء الخلية الجديدة هي في حياتها التي اخذتها من امها وليست في المادة وعناصرها ونظام تركيبها, والا لما كان هناك شرطا ضروريا ان تخرج الخلية بكل بساطة من خلية حية اخرى تدعى الام.

تجارب العلامة باستور

ان تجارب العلامة باستور وبعده تندل وغيرهما في هذا المجال قد صدمت نظرية التولد الذاتي صدمة قاتلة. فان ذلك الباحث العبقري باستور اكتشف اعظم ناموس حيوي وهو ان الكائنات الحية لا يمكن ان تاتي الا من كائنات حية مثلها. وهذا الناموس يسري على اصغر الميكروبات كما انه يسري على كل الحيوانات الكبيرة وكل ذي حياة. وغني عن البيان ان هذه القاعدة قبلت بالاجماع. ولم يسع المكابرون الا التسليم بها. وقد قامت عليها علوم وصناعات غاية في الاهمية. فان قاعدة باستور اساس التعقيم في الجراحة الحديثة كلها والتطهيرات الواقية من الامراض المعدية وحفظ الاطعمة وغير ذلك مما لا يقع تحت حصر. ولقد اوضح هؤلاء العلماء في تجاربهم المشهورة ان البكتيريا لا تنشأ من العدم بل تتوالد عن طريق الانقسام. وان هذه الكائنات الحية الدقيقة ليست نتيجة التعفن العضوي, كما يدعي البعض, بل هي المسببة له. وعلى ذلك نرى انه كان يجب على المدعوين اساتذة التعليم في المدارس والمسئولين عليه, ان لا يعودوا ويتبنوا التعاليم الداروينية ويعلموا بها الابرياء . ولكن عقلية الماديين غريبة ومدهشة لا تقبل التسليم بالحقائق .نرجع ونكرر: "ما اعظم اعمالك يا رب كلها بحكمة صنعت". آمين

جرثومة الحياة-وعظمة الخالق

يقول رئيس الاكاديميه العلمية في نيويورك الدكتور كريسي موريسون في مقالته عن الحياة: "انظر الى الشيء الهام الوحيد. انه تلك النقطة الصغيرة الشفافة التي تشبه الطل. اعني به "البروتوبلازم" الذي لا يكاد يرى. ولكنه يحتوي على جرثومة الحياة. وله القدرة على توزيع الحياة على كل كائن حي, كبيرا كان ام صغيرا, وعلى جعل كل مخلوق مطابقا لبيئته, حيثما يمكن وجود الحياة من قاع المحيط الى السماء. ونحن بوصفنا كائنات حية. يتكون كل منا من امم منتظمة من بلايين فوق بلايين من امثال هذه الخلايا, وكل خلية فينا كأنها مواطن صالح يؤدي نصيبه الكامل من الخدمة الخالصة, كأنه في ذكاء. وكل خلية تنتج. فالخلية يجب ان تكيف نفسها في المخلوق الحي لتكون جزءا من اللحم او ان تضحي بنفسها كجزء من الجلد الذي لا يلبث ان يبلى. وعليها ان تصنع ميناء الاسنان, وان تنتج السائل الشفاف في العين لكي ترى او ان تدخل في تركيب الانف والاذن والعظام الصلبة والطرية والغضاريف... وهذه الخلية ترغم كل نسلها على ان يؤدي الخدمات ذاتها وان يتبع دون انحراف تصميم الخالق الذي كان على الخلية الاصلية العمل على بنائه, سواء كان سلحفاة او ارنبا ام نباتا ام انسانا...

ان مئات الآلاف من الخلايا بل البلايين منها تبدوا كأنها مدفوعة لان تفعل الشيء الصواب, في الوقت الصواب, في المكان الصواب. والحق انها طائعة. بيد انك قد تقول الان ان كل هذا لا يفسر لنا كيف بدأت الحياة, او كيف جاءت الى هذه الارض. والكاتب لا يعرف ايضا كيف, الا ان يكون هناك خالق قد اوجدها وهو يعتني بها على الدوام (الانجيل كو12:1-) .

غائية لا تصادف

وقد جاء في كتاب "تصدع مذهب داروين" ص114 ما خلاصته انه "ليس في وسع علماء التشريح او علماء الاحياء ان ينكروا ان كل خلية معدة لغاية خاصة بها, الا اصحاب الغايات. وكلهم يسلمون راضين ان العين وجدت للنظر, والاذن للسمع , والاسنان للمضغ , والمعدة والامعاء لهضم الغذاء وتذويبه بما تفرزه من عصارات.كيماوية .كما ان هذه الاعضاء جميعها تتعاون معا لغاية واحدة هي بناء الاجسام وحفظ الحياة فيها. كما وجدت ايضا الاعضاء التناسلية وغريزة التناسل لحفظ النوع وتكاثره".

تصميم الرادار ليس مصادفة

ان الدكتور-كولت- العالم المشهور في الكيميا الطبيعية يقول: "في ضوء خبرتنا العلمية نستطيع ان نتقدم بالسوءال التالي: هل تم اختراع جهاز الرادار نتيجة المصادفة ام عن طريق التصميم والاختراع ؟ ثم هل تم جهاز الرادار الموجود فى بعض الطيور السريعة الطيران او العمياء, والذي لا يحتاج من صاحبه الى اي انتباه قط ولا يتطلب منه اصلاحا, والذي يستطيع ان يورثه لذريته عبر الاجيال, اقول هل تم ذلك عن طريق الصدفة ام عن طريق التصميم والابداع"؟.

ان الخبرة العلمية للانسان تقوم على التصميم وادراك الاسباب. وعلى ذلك فإن المشتغل بالعلوم هو اول من يجب ان يسلم تسليما منطقيا بوجود عقل مبدع لا حدود لعلمه وقدرته. ابدع الجماد والنبات والحيوان والانسان, ورسم لكل منها مسلكا لا يحيد عنه.

البكتيريا واصنافها

جاء في كتاب الميكروبات والحياة صفحة 42- 49 ما يلي: "البكتيريا اربع مراتب.

المرتبة الاولى- نوع يعيش معتمدا على نفسه. يسعى لتكوين غذائه من دون الاعتماد على غيره من الاحياء. وهذا النوع قد زوده الله بمفاتيح خاصة ( انزيمات) لا توجد بالكائنات الحية الاخرى. وتستطيع ان تتلاعب بهذه المفاتيح لتربط وتفك مركبات كيمائية تنطلق منها الطاقة التي تستخدمها في بناء غذائها. ومن هذه الميكروبات ايضا ما تخصص للاستفادة من نور الشمس. وهناك نوع اخر للاستفادة من حبيبات الكبريت, واخر من مركبات النيتروجين, واخر من الحديد والهيدروجين.

المرتبة الثانية نوع يعيش على كد غيره من الاحياء, يغتصبه منه اغتصابا, كانه طفيلي او لص اثيم. وهذه المرتبة من اخطر المخلوقات لان غيرها من المخلوقات هو ميدانها الذي تجول فيه وتصول. وكانها قد اعتبرت المخلوقات الحية غنيمة لها فاقتسمتها وتخصصت في مهاجمتها. فمنها ما يتطفل علينا ويصيبنا باخطر الامراض. ولكل نوع منها تخصص في اجسامنا. ومن ذلك ميكروب السل مثلا. وهناك للجلد وميكروباته. وكذا للعيون. وقائمة طويلة تخصصت للانسان وحده. وغيرها للحيوان, وغيرها للنبات.

المرتبة الثالثة نوع يعيش على بقايا الكائنات الحية. فهي لا تستطيع ان تغزوا اجسام الاحياء, بل تعيش على بقاياهم عندما يعودون الى الارض امواتا.

المرتبة الرابعة تعيش متعاونة مع غيرها. ولست مبالغا حين اقول انه لولا انواع بعض هذه البكتيريا لما كان هناك اناس ولا ابقار ولا اغنام ولا البان حتى ولا لحوم. لان الحيوانات لا تعيش بغير انواع من هذه البكتيريا تعيش في امعائها وتهضم لها سيلولوز النباتات, وتقدمه لها بصورة ذائبة تستفيد منه. وكل ما تتطلبه هذه الميكروبات من الاحياء هو ان تحتضنها في امعائها, لتضمن لها حياة راغدة ودرجة حرارة مناسبة".

الميكروب معمل كبير

"وكتب ايضا: الميكروب على دقته هو معمل كبير قائم بذاته تجري في داخله كثير من العمليات الكيماوية المعقدة التي يحتار في امرها اعظم معامل البحوث في العالم شانا. وبلغ من دقة العمليات الحيوية داخل جسم الميكروب ما يحملنا على استخدامه كأداة حية لتفصل لنا مركبا كيميائيا معينا عن شبيه له بحالة نقية. وتتم العملية في سهولة ويسر قد لا يتاتيان عن طرق الفصل الكيمائية التي نستخدمها بالمعامل".

فاي يد صنعت هذه الآلات الحية الدقيقة البارعة المتخصصة, الا يد الله الحكيم القدير؟؟. واي شأن للمادة العديمة العقل والقدرة في كل هذا؟؟ من هنا نرى, ان الحياة هي المسيطر الوحيد على المادة لبنيانها وترتيبها بحسبما اعطيت,من الله سبحانه, لكي تكون مسكنا صالحا لها, ونستطيع ان نقول بانها هي الشيء الذي أطلق عليه العلماء "الغريزة", وقد اعطيت الخلية الأم القدرة, في المخلوقات الحية جميعها كما قرأنا اعلاه, كي تعطي من حياتها حياة اخرى لمخلوق آخر نظيرها يبني نفسه بمساعدتها, حتى يكتمل في داخلها.من ثم يخرج منها بعد حين كي يعطي بدوره حياة اخرى لمخلوق آخر نظيره مزودا بتعليمات جديدة, وهكذا دواليكم .

ان قيادة بناء الخلية الجديدة هي في حياتها التي اخذتها من امها وليست في المادة وعناصرها ونظام تركيبها, والا لما كان هناك شرطا ضروريا ان تخرج الخلية بكل بساطة من خلية حية اخرى تدعى الأم. نرجع ونكرر ما اعظم اعمالك يا رب كلها بحكمة صنعت آمين.ثم آمين ثم آمين

جمع وتنسيق د. جورج رشيد خوري

إلى الأعلى

الى الكتاب المقدس | الى مجلة النعمة | الى صفحة البداية