عشرة قروش

بالرغم من الطقس البارد والثلج المتساقط، كان يجلس هذا الصبي، خارج منزله الحقير، ولم يرتدي في رجليه،  سوى حذاء رقيقا، لا يصلح حتى لأيام الصيف.

لقد كان يحاول بأقصى جهده، ليفتكر، عما يقدر أن يقدمه لأمه بمناسبة عيد الميلاد... لكن من غير نتيجة... فقد حاول كثيرا، حتى لو إستطاع أن يفتكر في شيء ما، فليس بحوزته أي من المال...

بل ومنذ، توفي والده، وهم يعيشون في حالة فقر مدقع دائم، فكانت والدته تعمل بأقصى جهدها، لكن هيهات تسد جوعها وجوع أولادها الخمسة.

فلم يكن لها إلا دخلا ضئيلا... لكن تلك الأم بالرغم من فقرها، كانت تحب أولادها محبة، بلا نهاية...

كان هذا الصبي حزينا للغاية... فلقد إستطاع أخواته الثلاثة، إعداد هدية لأمه... أما هو وأخيه الصغير، فلم يستطيعا شراء أي شيء، واليوم هو آخر يوم قبل الميلاد...

مسح هذا الصبي دموعه، ثم أخذ يسير بإتجاه المدينة، ليلقي نظرة أخيرة على الأماكن المزينة والحوانيت المليئة بالهدايا والألعاب...

لم يكن الأمر سهلا، على صبي صغير، يبلغ سبعة سنين، بعد أن فقد ابوه وهو في الرابعة من عمره، فلم يكن له أب ليحتضنه ويلعب معه كباقي الأولاد...

كان ينظر من خلال الواجهات، الى كل ما في الداخل، وعيناه تبرقان... كان كل شيء جميل للغاية... لكن لم يكن بمتناوله عمل أي شيء...

بدت الشمس تعلن مغيبها، فهمّ هذا الصبي بالعودة الى المنزل، وهو يسير حزينا منكس الرأس... وفجأة، إذ به يرى شيء يلمع على الأرض، إندفع هذا الصبي مسرعا، وإذ به يلتقط 10 قروش من على الأرض... ملأ الفرح قلبه، وإذ به يشعر وكأنه يملك كنزا عظيما، ولم يعد يبالي بالبرد، إذ كان في حوزته عشرة قروش...

دخل إحدى الحوانيت، علّه يستطيع شراء شيء ما... لكن يا لخيبة الأمل، عندما أعلمه صاحب الحانوت، بأنه لن يستطيع شراء أي شيء ب 10 قروش ...

دخل هذا الصبي حانوت آخرا لبيع الورود، كان هناك العديد من الزبائن، فانتظر دوره...

بعد بضعة دقائق، سأله صاحب الدكان عما يريد... قدم هذا الصبي الى صاحب الدكان ال 10 قروش التي في حوزته، ثم سأل إن كان بإمكانه شراء وردة واحدة لأمه بمناسبة عيد الميلاد... نظر صاحب الدكان الى هذا الولد الصغير مليا، ثم أجابه... إنتظرني قليلا... سأرى عما بإستطاعتي عمله...

دخل صاحب الدكان الى الغرفة الداخلية، ثم بعد قليل عاد وهو يحمل في يديه إثنتا عشر وردة حمراء، لم يرى هذا الصبي نظيرهما في الجمال من قبل، ثم أخذ صاحب الدكان، يضع بجانبهما الزينة وغيرها، ثم وضعهما بكل عناية في علبة بيضاء... وقدمهما الى ذلك الصبي، وقال: 10 قروش من فضلك أيها الشاب...

هل يعقل ما يسمع... لقد قال له صاحب الحانوت الآخر... لن تستطيع شراء أي شيء ب 10 قروش... فهل يعقل ما يسمعه...

شعر صاحب المحل بتردد الولد فقال له... أنت تريد أن تشتري ورود ب 10 قروش، أليس كذلك؟ فإليك هذه الورود ب 10 قروش فهل تريدها... بكل سرور أجاب الولد، معطيا كل ما لديه لصاحب الدكان...

فتح صاحب الدكان الباب للصبي، ثم ودّعه قائلا... ميلاد سعيد يا إبني...

عاد صاحب الدكان الى منزله، وأخبر زوجته بالأمر العجيب الذي حصل معه في ذلك اليوم... فقال لها... في هذا اليوم وبينما أحضر الورود... جائني صوت يقول، إنتخب 12 وردة حمراء من أفضل الورود التي لديك، وضعهما جانباً... لهدية خاصة... لم أدري معنى هذا الصوت... لكنني شعرت بقرارة نفسي بأنه ينبغي عليَّ ان أطيعه... وقبل أن أقفل الدكان، جائني صبي صغير تبدو عليه علامات الفقر والعوز، راغبا أن يشتري لأمه وردة واحدة، ومقدما لي كل ما يملك، 10 قروش...

وأنا إذ نظرت إليه، تذكرت نفسي، كيف عندما كنت في سنه، كيف لم أملك أي شيء لأقدم لأمي على عيد الميلاد... وذات مرة عمل معي إنسانا لم أعرفه من قبل معروفا... لم أنسه الى هذا اليوم...

إمتلأت عينا الرجل وزوجته بالدموع... ونظرا الى بعض... ثم إحتضنا بعض وشكرا الله ... يقول الكتاب المقدس... ولكن لا تنسوا فعل الخير والتوزيع لانه بذبائح مثل هذه يسرّ الله ... مغبوط هو العطاء اكثر من الأخذ...

Back

رجوع الى الصفحة الرئيسية