هل أدركت ما فعلت من أجلك

ربما يكون قد لفت إنتباهك نبأ أذيع على الراديو، عن وفاة بعض الاشخاص في الهند بسبب تعرضهم لإنفلونزا غريبة، لم يسمع به من قبل.

لم تعي الأمر أي إنتباه، لكن،  في نهار الأحد من ذلك الأسبوع، أعلنت وكالة ال CNN  عن إنتشار هذه الإنفلونزا  الغريبة والمعدية، وظهورها في قرى أخرى من الهند، وأعلنت عن وصول عدد الوفيات إلى أكثر من 800 شخص، ويقدر بإن عدد المصابين يفوق ال 30،000.

فور إنتشار هذا الخبر، إتجه فريق من الخبراء في مكافحة وحصر الأوبئة من Atlanta  إلى الهند للبحث في هذا المرض الغريب.

لم تمضي ليلة الأحد، حتى إستفاق الناس على عناوين الجرائد والمجلات معلنت عن إنتشار هذا المرض لحوالي 100,000 ليس في الهند فقط، بل على وجود إصابات مماثلة في باكستان، أفغانستان وايران أيضا. أطلق عليها إسم الإنفلونزا القاهرة.

أعلن الرئيس الاميركي، عن أسفه لما يحصل لسكان الهند، وصرح بأن أمله الشديد هو أن يتم التغلب على هذا الوباء بأسرع وقت ممكن. في أثناء ذلك، أعلنت فرنسا عن أغلاق حدودها مع كل بلد بدت فيه هذه الإصابات، خوفا من إنتشار هذا الوباء فيها ، مما صعق البلاد الأوربية الأخرى، إذ بدت تظهر علامات هذا الوباء الفتاكة.

لكن في مساء ذلك اليوم عينه، نقلت ال CNN   مقتطفا سريعا، إمرأة فرنسية، في مستشفى باريسي تعاني من ذلك الوباء المشئوم.  فرنسا تهتز، إذ هي لم تنجو من هذه الإنفلونزا القاهرة. عندما تصيب هذه الإنفلونزا الإنسان، يعاني منها آلام مبرحة، وما هي إلى 3 او 4 أيام حتى تقضي على ضحيتها.

بريطانيا تغلق أبوابها، لكن بعد فوات الأوان، فهناك إصابتان في Liverpool   . الرئيس الاميركي يعلن عن منع الطيران من والى أوروبا والشرق الأوسط فورا، حرصا على إنتقال المرض الى بلاده.

ملأ الخوف قلوب الناس، ماذا لو أصيبت الولايات المتحدة بهذا المرض الفتاك، ألم يقدر العلماء والخبراء على إجاد لقاح ضد هذا المرض، هل يمكن أن يكون هذا المرض ضربة إلهية لشر الإنسان...

لكن في مساء الأربعاء، أعلنت إذاعة محلية، عن وجود سيداتان في مستشفى Long Island  على وشك الموت ، وتبين أن الأصابة هي نفسها، الإنفلونزا القاهرة.  فجميع المختبرات وعلماء الأمراض في California, Oregon, Arizona, Florida, Massachusetts   يحاولون في شتى الطرق إيجاد علاج سريع، لكن دون جدوى.

في صباح الجمعة، استطاع العلماء معرفة لقاح ضد هذا الوباء الفتّاك. سيتطلب تركيب هذا اللقاح خلاايا دم نقي يحتوي على فئة دم نادرة. اكتظت المستشفيات والمستوصفات بالمتبرعين لفحص دمهم بغيت إيجاد الدم المناسب... أعلنت الميكرفونات في الشوارع طالبة من الجميع التوجه الى اقرب دائرة لفحص الدم.

إتجه عشرات الآلاف ومئات الآلاف، لكن لم يوجد الدم المناسب. لنفترض أنك تقدمت مع عائلتك لتفحصوا دمكم وها أنتم تنتظروا النتيجة، وما هي إلا دقائق، حتى أعلن اسم ابنك في مكبر الصوت، فاقترب منك شابان يهنئانك، ثم امسكوا ابنك. سألتهم ماذا تريدان... قالا: نعتقد بأن ابنك يحمل الدم النقي الذي نطلبه، لكن علينا أن نتأكد أكثر.

مضت 10 دقائق صعبة جدا، ثم تلتها صيحات الفرح والبكاء... اقترب منك بعض الدكاترة والممرضات وعلامات الفرج على وجوههم... يا سيدي إن ابنك يحمل في جسده العلاج... إن دمه هو الدم  النقي والمطلوب، ويمكننا الآن أن نصنع الدواء...

ما إن إنتشر الخبر بين الحاضرين، حتى علت الصيحات وانهمرت الدموع... إقترب منك كبير الأطباء، قائلا: إن ولدكم قاصرا بسبب سنه، فعليكم أن توقعوا موافقة على سحب الدم. ما أن ابتدائتم بتوقيع الوثائق حتى لاحظتم بأن  كمية الدم التي يجب سحبها غير مذكورة.

إتجهت نحو كبير الأطباء لتسأله عن كمية الدم المطلوبة. فجأة شحب وجهه... وأجابك، لم نكن نتوقع بأن الذي يحمل العلاج غلام صغير. إني أخاف، بأننا سنحتاج له بكامله... أجبته... وهل يعقل هذا... أجابك... سيدي هل تدري ما هو الخطر الذي يهدد العالم بأسره... إننا بحاجة إليه بأسره، فما عليك إلا... أن تسألتهم: لكن أليس بإستطاعتكم إيجاد طريقة أخرى... جمدت يداك... كيف توقع على دم ابنك... نفس بريئة... دم بريء.؟ سأل الطبيب لو أحببت مع باقي اسرتك قضاء وقت قصير مع ذلك الصبي قبل مباشرتهم بسحب بدمه.

لكن ماذا تجيب عندما يسألك ابنك، بابا، ماذا سيحصل لي... هل تستطيع أن تقول له... يا ابني، يا ليت يوجد طريق آخر... يا ابني أنا أحبك...

لم تمضي لحظات حتى اقترب منك الطبيب قائلا: إن الآلاف تموت حول العالم، وعلينا أن نبدأ فورا... أمامك لحظات أخيرة....

وللمرة الأخيرة تلمس يداك، يدا وحيدك... وهو يصرخ قائلا... أبي أبي لماذا تركتني...

وجاء يوم الأحد، يوم قيام حفل، تذكارا لما قدمه ابنك عن الآخرين، لكن لم يأتي إلا البعض القليل جدا، حتى من هؤلاء، لم يأتوا للذكرى ولا للشكر، بل ليروا بعضهم بعضا... ومنهم من غلب عليهم النعاس وسط الاحتفال، فناموا، أما الآخرون فلقد نسوا، بل فضلوا عمل أي شيء بدل من أن يأتوا ليتذكروه... وتقول لهم: لقد مات ابني عنكم، ألا تعلمون ولا تبالون... "فهل أدركت ما فعلت من أجلك"

Back

رجوع الى الصفحة الرئيسية